مقدمة لدرسة الشعر السكندري .

0
تعد الأسكندرية عروس البحر المتوسط من أكثر المدن جمالًا في العالم لِما حباها الله من موقع متمّيز وطبيعة ساحرة ، وهواء جميل مما جعل الشعراء يتبارون في التغني بها والحديث عنها و "المدائن كالناس لكل مدينة طابعها وملامحها وقسماتها ، أو قل شخصيتها التي تنفرد بها ، كما أن لكل فرد من الناس شخصيته ، التي تميزه عن غيره وتحيطه بجو خاص به ، وكما تتكون شخصية الفرد من عوامل الوراثة والبيئة وملابسات الحياة المختلفة، كذلك الامر بالقياس إلى المدينة ، وكلما كانت هذه العوامل أعرق وأبعد إيغالا وأكثر تداخلًا ، كان طابع شخصيتها أكثر انفرادًا وأشد تميّزًا وبهذا نجد بين المدن – كما نرى بين الناس – مدًنا أوساطًا ، تقل الفروق بينها وتكثر وجوه التشابه فيها ، وأخرى بائنات بنفسها، منفردات بما خط الزمن عليها من ملامح عميقة معقدة متشابكة ؛لأنَّه قد اجتمع لها من الأسباب والملابسات في خلال التاريخ الممتد المتطاول، مالم يجتمع للجمهرة الكبرى ؛ولأنَّه كان لها من قوة الحياة ما استطاعت أن تصمد به لأحداث الزمن وصروف الأيام والأسكندرية من أعرق المدن تاريخًا، وأكثرها في أحداث الزمن مشاركة ، وقد كان لها من موقعها، وما أتاحه لها هذا الموقع على مَّر القرون ما جنبها أن تنماع في غيرها، كما جعلها من أبرز المدن شخصية وأقواها طابعًا ، وأشدها اثارة للباحث والمتأمل والمتطلع.
ولهذه الشخصية جوانبها الكثيرة ومظاهرها المختلفة ؛ ولكن الأدب هو ولا ريب أول مظاهرها، إذ كان أشدها اتصالًا بها وأقواها تعبيرًا عنها وتمثيلًا لها ، وما من شيء أدلّ منه في حقيقة الأمر عليها، إِذ كان إنَّما ينبع من أغوارها البعيدة متغلغلا في سائر جوانبها." ([1])
"وإذا كان هذا مبررًا كافيا لأن ندرس الشعر السكندري مستقلًا، فإن هناك مبّررًا منهجيًا علميًا أيضًا يفرض علينا تفتيت البيئات الكبرى ودراستها وحدات صغيرة مستقلة، فإن ذلك أحرى أن يكون أكثر دقة وأجدر أن يستقصي المسائل ويكشف صغيرها وكبيرها، وما نحن بمبتدعي هذا المنهج، ولكن لنا أسوة في أوربا، فقد عرفته أوربا منذ نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر عندما تنبه رجال الأدب إلى الألوان المختلفة التي تميز الآداب المحلية واللغات المحلية فدرسوها"([2]).

د. ياسر الجمَّال . 


إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)