التصوّر الفلسفي للمجتمع السياسي .

0
ثمّة قضاياً متداخلة ومتشابكة تتعلّق بالحياة السّياسيّة للمجتمع يسعى الفيلسوف لتناولها بقصد التّعرّف عليها وإيجاد الحلـول الملائمة لها مثل : الغاية المرجوّة من الحكم المدني،وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم،والشّروط الواجب توفّرها في الحاكم ، والواجبات الّتي يتعيّن على الحاكم تأديتها حيال وطنه ومواطنيه،والواجبات الّتي يتعيّن على المواطنين تأديتها حيال وطنهم وحاكمهم .كذلك ابتكار جملةٍ من التصوّرات والمفاهيم الفلسفيّة في مسعىً لمحاكات مجتمع طوباوي يحقق للإنسان أحلامه وطموحاته وأمانيه ، فإيجاد مجتمع فاضل يحقق للإنسان سعادته كان ولا يزال هدفـاً للجهـود الفلسفيّة السّياسيّة للعديد من المفكّرين والفلاسفة . من هنا تتحدّد مهمّة الفلسفة السّياسيّة في اكتشاف الأدوات والوسائل الكفيلة بتحقيق نوعٍ من الحكم يفضي إلى السّعادة الّتي يحلم بها كلّ فرد من أفراد المجتمع _ سواء كان حاكماً أم محكوماً _ بهذا المعنى يكون الدّور الّذي يضطّلعُ الفيلسوف بهِ أشبه ما يكون بدور المخلّص الّذي تتّجه أنظار معظم النّاس إليه لوصف العلاج الصّحيح ، وتقديم الحلول المبتكرة للمشكلات الّتي يعاني مجتمعهم منها ، بهدف الوصول به إلى أرقى المراتب الممكنة .
 ولن يتأتّى هذا إلاّ من خلال القدرة على النّفاذ إلى جوهر القضايا وعدم الارتكان بالتوقّف عند ظاهرها ، ولطالما أنَّ الفيلسوف جزءٌ لا يتجزّأ من مجتمعه ، فإنّه يدرك بأنَّ سعادته الحقيقيّة لا يمكن الظّفر بها إلاَّ إذا ظفر المجموع الكلّي لأفراد المجتمع بها ، فحرمان الأغلبيّة من الرّفاه والسّعادة يعكّر رفاه الفرد وسعادته مهما تكـن رتبته الاجتماعيّة ، وهذا يكشف عن عمق صلة الجزء بالكلّ على نحو يتعذّر فيه الفصل التّام لأيٍّ منهما عن الآخر،من هنا كانت الحلول الّتي يبتكرها الفيلسوف لتحقيق السعادة على قدر من الاتّساع والشّمول بحيث تشمل جميع أفراد المجتمع ، مع فارقٍ أساسيٍّ بينه وبين باقي أفراد المجتمع وهو : أنَّ القسط الأكبر في بذل الجهد لتأمين هذه الغاية يقع على كاهله وحده بالدّرجـة الأولى ، آخذين بنظر الاعتبار أنَّ النّشاط المبذول من جانبه يولِّد الشّعور لديه بالمتعة والسّعادة، بمعنى أنَّ مهمّته مهمّـةٌ جهاديّةٌ تبعث على الفرح والسّرور في نفسه مهمـا بلغ حجم الصّعوبات والتّعقيدات الّتي تعترض سبيله .
- التصوّر الفلسفي للمجتمع السياسي عند الفارابي : الدكتور سامي الشّيخ محمد، : الجمعة 30 ديسمبر 2005، ص1.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)