إنَّ
المناسبات التي تدلُّ على ترابط الأمة
وتماسكها كثيرة ومتعددة، ومتكررة على مدار
الزمان والمكان، فمن ذلك تَكرار
الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، فهذه
مناسبة تتكرر خمس مرات كل يوم وليلة، وبهيئات واحدة، وإلى قبلة واحدة، وإلى
رب واحد، وبهيئات واحدة في كل مكان .
كذلك،
فإنَّ من المناسبات التي تدلُّ على ترابط الأمة في كل عام الحج ، فهو من المناسبات
التي تتكرر للأمة في كل عام، وفي وقت واحد ، وفي عام واحد ، وفي زمن واحد،
وبمناسكَ واحدةٍ ، وبعد ذلك يأتي العيد
الذي هو مناسبة ثالثة للترابط والاتساق ، والتوافق بين الأمة .
وهذا كله ناتج عن قوله تعالى : ﴿
إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
﴾([1])
وقوله تعالى : ﴿
وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون﴾([2]).
فهذه الآيات الكريمة وغيرها من الذكر الحكيم
تؤكد أهمية تلك القضية، وفي كل عام تتكرر على الأمة مناسبة رُوحية عظيمة ، تتجدد فيها ملامح الإنسجام والتوافق والترابط والتأليف، وهي شهر رمضان، تتجدد فيه الطاعات
والقربات، وسبل الخير كافة ، ويبتعد فيه الإنسان عن كل سبل الخطيئة والمعصية في
توافق ضمني بين الجميع على التطهُّر ، وفعل الخيرات.
ولتأكيد هذا المعنى قال تعالى : ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾([3]).
فهذه الأمة ربها واحد ، وكتابها واحد
، ورسولها واحد، وأرضها واحدة، ودمها واحد، وفي ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم ): "المسلمون
تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويرد على أقصاهم"([4])
فهذه مناسبة عظيمة تتكرر كلَّ عام على
الأمة، ومعها تتكر ر معانٍ جميلة كالوحدة
والترابط والتناغم والتوافق بين ابنائها، وبها يتنحى التمزق والتفرق والتقاطع
والتدابر، وغيرها من المعاني المغلوطة التي تنخر في جسدها، وما أحوجَ الإنسان إلى
تأمل تلك المعاني التي من خلالها يعيد
الإنسان تعريف نفسه، والنظر إلى الكون بصورة مغايرة وَفق المعاني الإيمانية التي
أسس لها القرآن الكريم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "المسلم أخو
المسلم"([5])،
وغير من معاني الإنسجام .