سلطة العلامات.

0

 


إن القصيدة الحديثة لديها من العلامات ما يمكن وصفه بالفضاءات المفتوحة أمام المتلقي، كما" توجد علاقة وثيقة ومتلازمة بين فعل إنتاج النصوص ،وبين فعل تلقيها ؛لأننا في واقع الأمر نعايش ثقافة نصوصية تجعلنا لا ندرك العالم، وما يحيط بنا إلا من خلال ما تنتجه النصوص بوصفها مصدرًا للمعرفة ،ونافذة مفتوحة على الحاضر، والماضي بحيث  تسمح للذوات أن تدرك كينوتها الفعلية، فالنصوص تتولد من ذوات وتتوجه نحو ذوات أخرى بهدف مد جسور التفاعل والتواصل بين مختلف الثقافات؛ ولهذا لا يكتب النص لذات محدودة وبخصوصيات معينة ،وحتى إن سلمنا بذلك فإن ذوات أخرى لامحالة تختطفه ،ولا يكون بالضرورة من زمن معين أو من ثقافة مخصوصة "([1]).

هذه الفلسفة تعطينا مساحة واسعة من التأويل، واعتبار النص قطعة إنسانية أكثر من كونه قطعة لغوية فقط، حيث " إن النص إنساني يخترق الحدود الجغرافية والسياسية ،وينسف الاختلافات الثقافية الأيديولوجية والفكرية – دون أن يلغيها بطبيعة الحال –لأنه يؤمن بالاختلاف والتعدد، اختلاف الثقافات وتعدد الذوات ،وقدرتها على التواصل والتفاعل، لإنتاج ذاتها أساسًا، ولإنتاج المعرفة عبر بوابة إنتاج المعنى ، وننتج نصوصًا ؛لأننا نبحث عن المعنى، ونقرأ نصوصًا ؛لأننا نبحث عن المعنى أيضًا"([2]).

                    إلا أن هذه المسارات" تتأثر بأشكال القراءة وأنماطها وبخاصة التقليدية منها، مما يجعل المتلقى المخلص لعمله يكون مهيأ - أو على استعداد - لاستكشاف المسارات وأنساقها وهو ما يستدعى قراءة مغايرة يعمل فيها على اكتشاف منطق النص لا منطقه هو، فالمشكلة الحقيقية - من وجهة نظرى - التي تمثل عائقا للتلقى الفعال هى تلك التي يقع فيها المتلقى تحت ربقة منطقه هو وخاصة المنطق الأخلاقى مثلا، مما يدفعه لتطبيق منطقه على النص منقصًا النص حقه في تطبيق منطقه"([3]).

                    هذه القراءات المتعددة ناتجة عن النظر إلى النص باعتباره" مجموعة من الآليات والانشغالات النفسية والثقافية والاجتماعية والجمالية وغيرها، ولذلك نظر إليها وإلى حركيتها من زوايا مختلفة"([4]حيث "إن النص مصنوع من كتابات مضاعفة ،ونتيجة لثقافات متعددة تدخل كلها بعضها معًا  في حوار ،ومحاكاة ساخرة وتعارض ،ولكن ثمة مكان تجتمع فيه هذه التعددية ، وهذا المكان ليس الكاتب كما قيل إلى الوقت الحاضر ،إنه القارىء "([5]).

                    هذا الحوار إنما هو "حوار النصوص يتم داخل جسد الكتابة، من حيث إن الذات يمكن التعامل معها على أنها شبكة نصية معقدة واعية وغير واعية تنتج نصًا هو عبارة عن نسق سيميائي دال يتفاعل مع التلقي، الذي هو بدوره شبكة نصية تتداخل فيها المقصديات . إنه ملتقى العلاقة الباث بالمتلقي من جهة ،وعلاقة الخطاب من جهة بالسياق من جهة أخرى "([6]).

وتأسيسًا على المقولات السابقة يمكننا القول" إن الأدب هو في الواقع سيرورة إنتاجية تفاعلية غير خاصة بجانب دون جانب، أو على الأصح تجربة دينامية تسهم فيه أطراف متعددة، لا عن طريق التحكم والهيمنة التامة؛ ولكن عن طريق التفاعل، وهذه الأطراف هي المؤلف والنص والقارئ"([7]).

                    ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن "القارئ أيضًا أثناء  القراءة يكون متجاوزًا لذاته ، وهو في هذه النقطة الموجودة خارج الحقلين معا يوجد الأثر الأدبي ، إنها نقطة التفاعل التي تصنع النص من جديد، كما أنها تخلق بالنسبة للقارئ وهم شخصية جديدة تجاوز كينونته السابقة"([8]).



([1]) قارة مصطفي نور الدين : النص الأدبي من النسق المغلق إلى النسق المفتوح ، كلية الآداب ، جامعة وهران، الجزائر ، 2010م ، ص198.

([2]) قارة مصطفي نور الدين : النص الأدبي من النسق المغلق إلى النسق المفتوح، ص198.

([3]) مصطفي الضبع : مسارات لتأول ، قراءة في رواية "بائع الفستق"، ص1.

([4]) محمد خرماش: فعل القراءة وإشكالية التلقي، مجلة علامات، ع. 100، س. 1998، ص53.

([5]) رولان بارت: هسهسة اللغة ،ترجمة ، منذر عياشي ، مركز الإنماء الحضاري، حلب، 1999م،  ص83.

([6]) أحمد يوسف: سيميائيات التواصل وفعالية الحوار، المفاهيم والآليات ، منشورات، مختبر السيميات وتحليل الخطاب، جامعة وهران، الجزائر، دار الرشاد للطباعة والتوزيع ( د- ت)، ص184.

([7]) حميد لحميدني : القراءة وتوليد الدلالة،ص6

([8]) حميد لحميدني : القراءة وتوليد الدلالة، ص3.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)