السيد حافظ يدعوا إلى إعادة بناء القضايا والمفاهيم من جديد..د ياسر جابر الجمَّال ، 2024م

0


إن الفوضوية التي نعيشها على مستويات متعددة في الأدب والنقد أو المسرح أو الفن عمومًا ناتجة عن الخلط بين المصطلحات والمفاهيم، والتسطيح المتعمد للمسائل والقضايا، فالكل يدعي الكتابة المسرحية لمجرد القدرة على كتابة بعض الحوارات أو بعض الأعمال الشبيهة بالمسرح ثم يطلق عليها أنها أعمالا مسرحية، و"السيد حافظ" من أوائل مَن كتبوا نصًا تجريبًا، وتحدث عن أهمية الكتابة المسرحية وفق آليات وتقنيات متعددة ينهض من خلالها العمل المسرحي حتى يصبح مدرسة فيما بعد، ولذلك فإن " المدرسة أي الطريقة والمنهج، طريقة التعامل مع النص، طريقة التعامل مع الجماهير وتحديد الزاوية الفكرية التي تريد وضعهم فيها، وجود أهداف للمسرحية، وجود استراتيجية لأداء الممثل، فن استخدام الإضاءة وهندسة الصوت... كل هذا يعين على إخراج عمل له قيمة يُخلّد ذكره في التاريخ، أن تُضحِك الجمهور أمر جميل لكن لا يكون هذا الهدف الأساسي للمسرحية، أن تقدم أغاني واستعراضات أمر رائع لكن بشرط أن يكون خادما لهدف المسرحية واتجاهها." ([1])

هذه التقنيات أمور لا غنى للمسرح عنها، فللمسرح دور ورسالة إذا تخلف عنها أصبح نوعًا من التهريج والإسفاف كما نشاهد الآن في مسارح متعددة ومزيفة الكل يقدم نفسه على أنه مجدد وصاحب رؤية والجميع في نهاية الأمر مجرد مقلد أو ناقل لأفكار غيره فحسب، فالمساحة الفارقة بين الحقيقي والزيف يرسمها " السيد حافظ "عندما يقول: " أعلم أن ما سأقوله الآن قد يغضب البعض لكن 90% ممن يكتبون مسرح لا علاقة لهم بالمسرح لا من قريب ولا من بعيد، هم يظنون أن المسرح حوار يقول فلان كذا ويجيب الآخر عليه بكذا وانتهت القضية!! لا هذا ليس بمسرح هذا حوار عادي.."([2])

ويؤكد ذلك عندما يقول: " كتابة حوارات دون قراءة مسرحيات ومشاهدة كيفية صناعة المسرحية ماهي إلا خطابات ذهنية يخاطب بها الكاتب ذهنه لا الجماهير"([3])

ثم يسرد السيد حافظ من خلال مذكراته أُسس تكوين المسرحي فيقول: " أتريد أن تكون كاتب مسرح ؟.. يجب عليك أن تفعل الآتي..

أولاً: اقرأ كُتُبا كثيرة عن المسرح بمختلف ألوانه وثقافاته، أتذكر وأنا بالمرحلة الثانوية قرأت 87 مسرحية وأتمتهم 100 بمسرحيات قصيرة.

ثانيا: شاهد الكثير من المسرحيات واحضر البروفات، راقب التحضير للعرض.

ثالثا: اشترك في الكثير من المسرحيات كممثل مرة كإداري مرة، نعم لقد مثلت في بعض المسرحيات وعملت كمساعد مخرج وعملت بالمكياج، الكاتب المسرحي عليه أن يفهم الشخصية جيدا ويختار من يؤديها بعناية ويعرف إمكانيات هذا الممثل وكيف سيصل إلى الشخصية في نقطة ما، الكاتب المسرحي يجب أن تكون كلمته بميزان من ذهب، لا يضع كلمة إلا ويعنيها بأن تكون لها بعدا دراميا معينا يريده أن يصل إلى المشاهد"([4])

إن الشخصية المسرحية التي ينشدها "السيد حافظ " تنهض على عوامل متعددة تبدأ من صفات ذاتية وتمتد إلى صفات مكتسبة، فالشخصية "وحدة متكاملة متضمنة ما في الشخص من صفات ومميزات وخصائص جسمية وعقلية موروثة أو مكتسبة بالإضافة إلى الجانب الاستبطاني من الشخصية ونظرة الشخص إلى ذاته. وإن كان اللفظ مشتق من person أي القناع الذي كان يبدو فيه الممثل على المسرح، فإن الشخصية لا تقتصر على ما يبدو عليه الشخص، بل تتناول الجوانب العميقة التي يتجلى أثرها في السلوك أو التي تُكتَشف بالاختبارات ووسائل الدراسة النفسية وغيرها... ونستخدم لفظ الشخصية أحيانا بمعنى قوة الشخصية أو بروز سمات خاصة فيها تجعل لصاحبها شخصية فذة فيقال إن فلانا رجل له شخصية "([5])

إن الشخصية المسرحية سواء كانت تكتب نصوصًا مسرحية أو تؤدي تلك النصوص أو تجمع بين الاثنين فإن ذلك يوجب عليها الاعتناء بما ذكره الكاتب الكبير "السيد حافظ"، وبما ذكرناه آنفًا؛ فإن " المقومات المسرحية على الاقتراب الدائم من القيم الانسانية في التعبير عنه وكذلك في التعبير عن الصيغ الفردية للفنان وطبيعة المجتمع والمحتوى الذي آلت إليه معطياته الاجتماعية والاقتصادية والحضارية وبما تأثرت وأثرت فيه من خصائص ومقومات وآليات تعكس تأثيرها المباشر عليه وعلى علاقته بالآخرين إضافة إلى ما تنتجه الخصائص الفنية للإنسان وخاصة في المسرح لاعتباره المرتبط الحيوي المباشر مع خواص المتفرج"([6])

أما القضية المهمة التي ينادي بها ويدعوا إليها الأجيال إعادة بناء مسرح حقيقي بعيدًا عن التهريج والابتذال أو التسطيح هي قضية توارث الأجيال ، فـ"السيد حافظ " يؤسس لمسألة توارث الأجيال فيقول: " أود أن أشارككم بخبر سار وهو أني عودت للكتابة مرة أخرى بعد انقطاع عام كامل عن الكتابة، بدأتُ أكتب اليوم وأنا سعيد لهذا وأتمنى أن يكون مشروعا مهما يفيد من بعدي فيقلدوه أو يحذوا حذوي وهذا ليس بعيب، فالطبيعي أننا نتعلم من القدماء ونتأثر بهم، وإن كان البعض لا يعترف بتأثره بأحد لكن هذا لا يهم، المهم هو الإبداع أيا كان سببه .. ([7])

 

كما يناقش السيد حافظ قضية مهمة يميز فيها بين النقد النظري والنقد التطبيقي..

فهو يرى أنه يوجد لدينا نقد نظري لكن لا يوجد لدينا نقد تطبيقي بالمعنى الحقيقي، فقد " عُين الأستاذ الدكتور " فوزي فهمي " في المعهد العالي للفنون المسرحية، كان أستاذا عظيما ومُربيا حكيما، كان يدرّس تاريخ مسرح وتاريخ المدارس النقدية لكن لم أرَ له مقالة نقدية تطبيقية!! كذلك الدكتور " سمير سرحان " و" عبدالعزيز حمودة " و الدكتور "محمد عناني "، الأستاذ " سعيد عثمان"، الأستاذ " إبراهيم سكر " كان يدرّس المدارس النقدية في الكويت، الدكتور " إبراهيم حمادة " و " لويس عوض "، الأستاذ العظيم " جلال حافظ "، الدكتور حسن عطية" الذي انتقدني لمجرد أني بدأت أخرج مسرحية في سن صغير وعطلني في بعض الأشياء – سامحه الله -، " مصطفى يوسف منصور "، " محمد حمدي إبراهيم "، الدكتور "رضا غالب " صاحب الكتاب الشهير في النقد، كان له أسلوبه الخاص المميز، نقد " سعاد حسني " و" أحمد زكي"، كان نقده منصبا على الأداء التمثيلي بكلام مسترسل لا على عروض مسرحية، وممن درس النقد أيضا ولم يكن له باع في الجانب التطبيقي الدكتور " عمرو علي " والدكتور " محمد شيحة " وكان له دور مهم في توجيه الطلاب في الأبحاث العلمية، الدكتور العظيم " أسامة أبو طالب "، الدكتور "حسام عطا"، " أبو بكر خالد " – رحمه الله -، الناقد المغربي الكبير " عبدالعزيز خلوف " و" محمد التهامي"..([8])

ثم يكمل فيقول: " كل هؤلاء درّسوا النقد بكافة أشكاله وبعضهم حاول أن يكتب دراسات نقدية، إلا إن جميعهم لم يكن لهم تأثير في الجانب التطبيقي لنقد العروض الفنية، ومنهم من قدّم محاولات فكانت محاولته بائسة؛ حيث أنه أحيانا يعمد للنقد فيكتب كلاما مسترسلا كخبرٍ صحفي وليس كنقد أدبي، أنا لا أعترض على طريقة كل منهم لكن ما فعلوه لم يكن نقدا!! وأطلب من سيادتكم الاطلاع على أعمالهم وإبداء رأيكم." ([9])

هذه بعض المقاربات.. حاولتُ تقديمها بصورة مقتضبة حول الجزء الثالث من مذكرات الكاتب الكبير " السيد حافظ " وما حَوتْه من قضايا وموضوعات عديدة تحتاج إلى أبحاث ودراسات متعددة ومتنوعة حولها، فهي حقيقية وقمينة بذلك.



 

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)