التلقيات النقدية للقصة القصيرة والقصَّة القصيرة جدًا عند الكاتب السّيد حافظ بين منطلقات التأويل والتقنيات الفنية : د. ياسر جابر الجمال ، 2024م

0

 


إنّ الإبداع الأدبيّ في حالة صيرورة إلى الجديد، والتموضع حوله سواء في العمليَّة الإبداعيَّة أو التلقي لها، وتمثل القصَّة القصيرة والقصَّة القصيرة جدًا والومضة القصصية بتقنياتها المتعددة لونًا أدبيًا زاد بروزه في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة، وطغى على السّياق الأدبيّ بدرجات متباينة، لما لها من أثر كبير يترك في نفس المتلقي، فعلى الرغم من صغرها إلا أنها تمتلك من التقنيات الفنية الَّتي تجعلها تمارس سلطات متعدة على القارئ، وتؤدي دورها الفني والإبداعي، وسوء كانت مركوزة في أدبنا القديم أم لا؟ أو كانت غربية النشأة أم عربية، فإنها أضحت لونًا أدبيًا يسيطر على الحقل الأدبيّ بصورة مباشرة.

كما " تُعد القصَّة القصيرة أحد الفنون الأدبيّة البارزة انتشار، وتميزًا بين فنون الآداب العربيّة المُعاصرة؛ نظرًا لتفردها بجملة من السّمات الفنية، حتَّى أصبحت فنا يلفت انتباه ليس المبدعين والنقاد وحدهم، ولكنها استقطبت القارئ العام، والخاص لمختلف الشّرائح إثر تعرضها أو ملامستها حياة الإنسان في صورة واقعية حيّة وما يعتري هذه الحياة من تقلبات؛ ففسحت المجال للقارئ ليشاركها في بناء أحداثها أو سدّ فراغاتها في أسلوب يجعله يعيش القصَّة من جديد، لاسيّما بعد أن اتخذت لنفسها فضاء جديدًا تعرف بنفسها عن طريق التطور التكنولوجي ما يسمى اليوم النشر الإلكتروني أو الرقمية، فجعل منها خطابًا أدبيّا ليس همه ملء الفراغ أو صنع المتعة وجلب المسرة؛ بل من أكبر الخطابات الفنيّة تعتمد للتعبير والتواصل، والتأثير متجاوزة فكرة أنّها حكاية أو خبر عن حدث ما إلى دافع مشوق لاكتشاف المجهول بالوقوف عند تقنياتها الكثيرة."([1])

ويمثل السّيد حافظ علامة بارزة في الحياة الثقافية على محاور متعددة، فهو الكاتب المسرحي والتليفزيوني، والروائي، وأخيرًا القاص الفريد الَّذي قدم لنا هذه المجموعة القصصية الَّتي تنهض على مسارات متعددة في القراءة والمعالجة والتأويل، كما تحمل من التقنيات الإبداعيَّة الَّتي تكشف عنها هذه النصوص بمساقات متعددة.

كما تمثل كتاباته مشروعًا مناهضًا ومقاومًا لكل ما من شأنه الزيف والتضليل، وطمس الحقيقة أو الالتفاف على الأمة وقضاياها، ومحاولة بث الزيف والتفاهة في عقولها، وهذا بدوره يعد بعدًا أخلاقيًا في الكتابات الَّتي نهتم بها ونحاول قرأتها والكتابة حولها.

ونحن في هذا التقديم، وهذه الدراسة حول مجموعة الكاتب الكبير السّيد حافظ، للقصة القصيرة ومجموعة القصَّة القصيرة جدًا نجد أنها تنقسم إلى جزئين، الجزء الأول يمثل القصَّة القصيرة، ويتكون من أربعة عشر قصة قصيرة، والجزء الثاني، ويمثل القصَّة القصيرة جدًاـ ويتكون من إحدى وأربعون قصة قصيرة جداًً، وهذه الدراسة تنهض على عوامل متعددة حول تلك المجموعة القصية لما تحمله من قضايا موضوعية، وتقنيات فنية، تنساب في فضاءات متعددة ومتنوعة من التأويل، والتفسير، ولعل أبرز تلك القضايا الَّتي يُمكن تناولها في هذا الصّدد من الجانب الموضوعي هو ذلك الموقف " موقف الذات الواعية من الواقع والحياة " وقضايا الوطن، والشعور بالغربة، والأمل المفقود المتلاشي على أعتاب الوطن.

كما تحمل قضايا فنية وتكنيكات متنوعة كدلالة العنوان، ولتكثيف، والمفارقة، وبراعة القفل للأحداث والموضوعات والعمق الدلالي المؤطر خلال تلك الشّرائح القصصية الشّذرية.

ولا يُمكن لنا أن نغفل هذا القص الفريد في مجموعة السّيد حافظ لما يمتاز به من التكثيف الدلالي الشّديد والإدهاش، كما تعرض لنا خيبة الانتظار، كل ذلك في أسلوب موجز مختزلا العالم في تكثيفه، "إن [هذه المجموعة] وليدة عصرها وبنت بوسمها المشذر، مثقلة بالدلالات العابرة واللحظات المتسارعة واللقطات السّريعة، وارتباطها بما هو يومي جعلها تنخرط في ثقافة التكثيف الدلالي وسعة الأفق واختزال القول"([2]).

وفي سبيل توضيح تلك القضايا وتقديم قراءة مغايرة لهذه المجموعة جاءت هذه الدراسة على مسارين، المسار الأول يقدم قراءة موضوعية تنساب في مسارات التأويل والنص المنفتح على أنساق متعددة في محاور محددة كالآتي:

 

·          المحور الموضوعي

n        سيميائة العناوين.       

n        واقع التيه في القصَّة القصية عن السّيد حافظ.

n        مؤشر الاغتراب عن السّيد حافظ في قصصه القصيرة.

n        رؤية التمرد في القصَّة القصيرة عن السّيد حافظ.

·          كما ينهض الجانب الفني على عدة تكنيكات كالآتي:  

n        التكثيف اللغوي والاختزال

n        الانزياح اللغوي.

n        توظيف الرمز.

n        المفارقة.

n        جمالية القفل

وصفوة القول: إنّ الكتابة الإبداعيَّة هي كتابة مغايرة، مختلفة عن المألوف، تنساب في فضاءات الخيال، وترصد الواقع رصدًا مباشرًا متفاعلة معه وحوله حتَّى تقدم لنا رؤية حقيقة حول ذلك الواقع، فالسيد حافظ طاف ويطوف بنا في هذه المجموعة القصصية، ويقدمها لنا كرؤية حول الواقع الَّذي نعيشه، والمستقبل الَّذي ينتظرنا طالما ظللنا بذات الرؤية وتلك العقلية الَّتي ترى الأمور بمنظور يغيب عنه الموضوعية والمنهج العلمي الَّذي يطلعنا على حقائق الأمور، حتَّى نصل إلى لحظة المكاشفة، والحقيقة الَّتي يقدمها القاص في نهاية القصَّة الَّتي تجيب لنا على كافة التساؤلات والقضايا الَّتي تتشابك في عقولنا سواء كانت هذه الإجابات مرضية لنا أم لا؟ وسواء توافق معنا أم لا؟ إنها لحظة انكشاف الحجب، والإطلالة على الحقيقة من منظور جمالي إبداعي.

 

 



([1]) مراد معاذ مقري: تقنيات القصَّة الرقميّة القصيرة جدّا من جمالية التوظيف إلى انفتاح الدلالة قصة حمّى الأدغال نموذجًا، جامعة حسيبة بن بوعلي شلف كلية الآداب والفنون (قسم الأدب العربي)، ص2.

([2]) ياسين سرايعية: القراءة وآليات التأويل في الكتابة الشَّذْرِيَةِ للقصة القصيرة جدًا (شبه لهم) قصص قصيرة جدًا لبومرزوق زين الدين أنموذجًا، مجلة أبو ليوس، مج 8، ع 1، 2021م. ص230

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)