يتطرق السيد حافظ في مذكراته الجزء الخامس السيد حافظ إلى قضية غاية في الأهمية، وهي هل النجاح بالقوة الوهمية أم بالفعل الحقيقي؟ فيقول: "نجاح أي عمل فني أو أي كاتب يمكن أن يأتي بطريقتين: إما بقوة الفعل الحقيقي، أي قوة الإبداع الحقيقي المميز، حيث يكون الشاعر أو الكاتب أو المخرج موهوبًا، فيبدع في قصيدة تهز العالم، أو مسرحية تجعل الجميع يدركون أنه كاتب عالمي أو محلي بارع. فالإبداع الحقيقي هو الذي يحقق النجاح.
على الجانب الآخر، هناك النجاح بالقوة
الوهمية، حيث يتم فرض أشخاص وأعمال فنية على الجمهور دون أن يكون لديهم موهبة
حقيقية، فقط عبر الدعاية الضخمة والتمويل. على سبيل المثال، في بعض الفترات
التاريخية، ظهرت مجلات تُطلق على بعض الأشخاص لقب "كتاب موهوبين"، بينما
هم في الحقيقة مجرد أسماء تُلمّع بواسطة الإعلانات المدفوعة.
هذا الأمر يحدث في مجالات متعددة، مثل
الموسيقى، حيث يتم إنتاج ألبومات لفنانين بلا موهبة،
فقط لأن ممولًا ما أُعجب بهم، كما حدث في قصص
شهيرة لفنانين تم الترويج لهم بأموال طائلة، لكنهم لم ينجحوا في النهاية لأن
الجمهور لا يمكن خداعه.
نجاح مزيف
في السينما والتلفزيون:
على سبيل المثال، عندما تم إنتاج فيلم
"ناصر 56" للكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، والمخرج
محمد فاضل، فقد حقق نجاحًا جماهيريًا هائلًا لأن
الناس وجدت فيه قيمة فنية حقيقية. ولكن عندما تم إنتاج فيلم "أيام
السادات"، رغم الأداء القوي لأحمد زكي، لم يحقق نفس النجاح، لأن الضمير
الجمعي للجماهير لا يمكن التلاعب به، حتى لو تم الترويج له إعلاميًا بشكل مكثف.
الأمر نفسه تكرر في الدراما
التلفزيونية، حيث يتم أحيانًا الترويج لمسلسلات على أنها ناجحة رغم أنها لم تحقق
أي صدى جماهيري حقيقي، وذلك من خلال الندوات الصحفية المدفوعة، والمقالات التي
تمجد العمل رغم أنه لم يحقق النجاح الفعلي بين الناس.
الجماهير
لا يمكن خداعها:
الموهبة الحقيقية لا يمكن إخفاؤها،
والكذب لا يدوم. حتى لو تم فرض نجاح مصطنع عبر الإعلام، فإن الزمن كفيل بكشف
الحقيقة. تمامًا كما حدث مع الأغاني الوطنية التي تم بثها بكثافة خلال فترة ما قبل
1967م، حيث اكتشف الناس بعد ذلك أن النجاح لا يأتي بالدعاية فقط، بل بالمحتوى
الصادق الذي يلامس قلوبهم([1]).
كما
يثقب السيد حافظ في جدارية الإبداع موضحًا الموهبة الحقيقية من المدعاة فيقول: "العمق
الوهمي هو ذلك الإحساس الذي يشعر به البعض بأنهم مهمومون للغاية أو أن إنجازاتهم عظيمة،
لكن في الحقيقة لا يوجد شيء حقيقي يدعم هذا الإحساس. في الفن والأدب، وقد نجد نصوصًا توحي بعمق كبير، لكن هذا
العمق وهمي. مثلًا، حينما تقرأ رواية وتجد أن الكاتب يستخدم لغة معقدة أو أفكارًا
تبدو عميقة، لكن عند التدقيق نجد أن لا شيء خلفها.
هناك أمثلة كثيرة على ذلك، مثلما تفوق
السيناريست يوسف جوهر على طه حسين في فيلم "دعاء الكروان"، أو كيف أبدع
محسن زايد في تحويل ثلاثية نجيب محفوظ إلى مسلسل تلفزيوني، مما جعلها أكثر تأثيرًا
وجمالًا.
وفي مثال آخر، نجد أن محسن زايد استطاع تقديم
مسرحية "الناس اللي تحت" لنعمان عاشور في شكل مسلسل ناجح للغاية، مما
يظهر كيف يمكن للسيناريو أن يضيف عمقًا وهميًا. هذا العمق الوهمي قد نجده أيضًا في
تسميات بعض الأعمال أو الشخصيات، كأن نعتبر "الإسكندرية" التي وصفها نجيب محفوظ في
"الشهد والدموع" بأنها شيئٌ عظيم، بينما
هو تعبير بسيط لا يحمل كل ذلك العمق الذي أضفاه الناس عليه. ([2]).
ولا يتوقف السيد حافظ عند إلقاء التهم جزافًا أو يعمم الأخطاء على من حوله فقط، إنما
يقدم الدلائل حول تلك الأخطاء، ومن ذلك تقديم نقد
عملي للدراما الرمضانية وبعض البرامج التي أضحت مجرد استهلاك للجمهور، والبحث عن
المادة فقط، رغم توافر الإمكانيات كما في مسلسل "توبة" لعمرو سعد،
ومسلسل مشوار لمحمد رمضان، وبرنامج "رامز جلال" وغيرها من الأعمال، ويرجع ذلك إلى ضعف السيناريوهات المكتوبة، وقلة
الخبرة لدى الممثل أو المخرج، وعدم مرعاة الأبعاد الجمالية والقيمة في الأعمال
الفنية .
قضية مهمة تناول فيها فكرة هل نحن متقدمون
أم متأخرون؟
