ثمة قضية مهمة وهي هل نحن متقدمون أم متأخرون؟ وللأجابة على هذا التسأول يقول السيد حافظ: "المشكلة الحقيقية تكمن في بناء الإنسان، وليس فقط في بناء المدن. فالتعليم والثقافة عنصران أساسيان، لكن للأسف، أصبح مفهوم "الثقافة" عند البعض مجرد وسيلة للتقرُّب من السلطة والحصول على الامتيازات. الثقافة ليست مجرد مدح للحكومة أو نيل مكافآت مادية، بل هي مشروع وطني لبناء وعي الأمة.
ونحن بحاجة
إلى إعادة النظر في أولوياتنا. بدلاً من التركيز فقط على التقدم العمراني
والتكنولوجي، ويجب أن نولي اهتمامًا أكبر لتعليم
الإنسان، وتأهيله ثقافيًا وفكريًا. فلا فائدة من
امتلاك مدن حديثة إذا كان سكانها يفتقرون إلى الوعي اللازم لإدارتها. وبناء الإنسان هو القضية الحقيقية التي يجب أن نضعها في
مقدمة اهتماماتنا.
في النهاية، هل نحن متقدمون أم
متخلفون؟ نعم، نحن متقدمون من الناحية العمرانية والتكنولوجية، ولكننا متأخرون في
بناء الإنسان. والتقدم الحقيقي لا يُقاس بالمباني الحديثة أو الطرق الواسعة، بل
يُقاس بمدى وعي الإنسان وثقافته وأخلاقه. ونحن بحاجة إلى ثورة ثقافية وتعليمية
حقيقية تعيد بناء الإنسان، لأنه هو الأساس لأي تقدم مستدام. ([1]).
وقد أورد السيد حافظ رؤية الدكتور حامد
عمار شيخ التربويين حول بناء الإنسان فقال: "الدكتور حامد عمار وضع خطة شاملة
لبناء الإنسان، الإنسان المصري والعربي، واعتبر أن البداية تكون من التعليم. ووضع خططًا كثيرة
جدًا، لكن ما استوقفني أكثر هو عبارات في الكتاب ذاته، "في بناء
البشر"، حيث حلل الشخصية المصرية، وقسمها إلى
نموذجين.
النموذج الأول هو شخصية الفهلوي،
الذي يؤمن بالأمثال الشعبية مثل: "اليد التي لا تستطيع كسرها، قبّلها"،
و"الباب الذي يأتيك منه ريح، سده واسترح". هذه الأمثلة تعكس شخصية
سلبية، يتبناها 80% (ثمانون بالمائة) من الشعب
المصري، بحسب ما قال الدكتور حامد عمار. وهو ما أسماه بالشخصية الفهلويّة. وأؤكد
هنا أن هذا ليس كلامي، بل كلام الدكتور حامد عمار، أحد أعظم الأساتذة في التربية،
ومن أعظم علماء التربية والتعليم والنهوض بالتعليم.
أما النموذج الثاني،
فهو شخصية "ابن البلد"، الذي يمثل 20% (عشرون
بالمائة) من الشعب المصري. وشخصية
"ابن البلد" تعكس الأخلاق الطيبة، كالشهامة،
والجدعنة. والدكتور حامد عمار كان ذكيًا جدًا
في تحليله. لكنه لفت النظر إلى أن شخصية "الفهلوي" هي التي تطغى
في المجتمع.
وأشار الدكتور
أيضًا إلى مثال عن المجتمعات العربية الأخرى، قائلاً إن التجربة ليست محصورة في
مصر." ([2]).
ما قدمة السيد حافظ في هذا الجزء من
مذكراته إنما هو بمثابة إعادة الاعتبار للقضايا المحورية في حياتنا، متنقلاً بنا بين رصد المأساة التي نعيشها منذ قرون، وبين الملهاة التي نحاول صنعها لأنفسنا محاولين تجاوز
المواقف أو التغطية عليها بصورة أو بأخرى حتى نحدث لأنفسنا سلامًا نفسيًا.