لست بحاجة إلى كتابة مقال موسع، أو تدبيج النقولات –أي المنقول من كتب ومؤلفات أخرى- من هنا أو هناك حول تأكيد تلك القضايا، فقد أصبحت ملء السمع والبصر، ولكنني أعتمد طريقة جديدة في الكتابة النقدية تقوم على إيراد النقولات فقط، بالإضافة وضع عناوين حول تلك القضايا.
فقضية
السرقات الأدبية موجودة، وكُتِب فيها مؤلفات متخصصة حول هذه النقطة بالتحديد، منها:
كتاب أستاذنا العلامة "محمد مصطفى هدارة" (السرقات الأدبية). وهناك كتابات أُخرى أوضحت
الفرق بينها وبين التنَاصّ، وتوارد
الأفكار، وغير ذلك من الأفكار. والإشكالية لا تكمن الآن في وجود الظاهرة من عدمها،
وإنما الإشكالية تكمن في التحايل المصاحب
لتلك السرقة خصوصًا في عصر الذكاء الاصطناعي، واستخدام التقنية في الكتابة بديلاً
عن الإبداع الإنساني، كل هذه الأمور أصبحت أورام في الحقل الثقافي الحديث، والأسوء
من ذلك سرقات الكبار، خصوصًا من نعدهم ونعتقد أنهم شخصيات متزنة مثل: نجيب محفوظ،
أو صلاح عبدالصبور، أو صلاح فضل، أو يوسف زيدان، أو غيرهم الكثير، والقائمة تطول،
لذلك يجب التأكيد على "أننا هدمنا الأصنام حول الكعبة، لكن كل واحد منا احتفظ
بتمثال داخله، في حين يدّعي أنه يدافع عن القيم النبيلة، لذا نحن بحاجة إلى وقفة
مع النفس"([1])
هذا
المحور الأول الذي كِتِبْتُ عنه، أما المحور الثاني فيتناول قضية "الشلالية" في الفترة الماضية، وقد لاحظت أن الشباب
الذي ظهر لم يتأمل عيوب الأجيال السابقة ويتجنبها، وكان من المفترض أن ينظر هذا
الجيل الحالي سواء كانوا فنانين، أو كتاب قصة، أو كتاب مسرح، أو حتى فناني الفنون
التشكيلية، إلى أخطاء الجيل الذي سبقهم، ثم يسعون إلى تقديم شيء جديد وأفضل، سواء
في الفن أو في الأخلاق. لكن للأسف الشديد، هذا الجيل لم يكتفِ فقط بعدم تصحيح
الأخطاء، بل أخذ كل ما هو سيئ وأضاف إليه المزيد من الأخطاء والعيوب"([2])
و"هذا
بالفعل ما نراه في هذه الأيام بالطبع، هناك استثناءات في كل جيل، فقد نجد خمسة أو
ستة أشخاص في كل مجال مختلفون عن القاعدة العامة، سواء في المسرح أو السينما أو
التلفزيون. ولكن ما حدث الآن أمرٌ مرعب للغاية، وهو تدني مستوى الإبداع واللجوء
إلى الأساليب غير النزيهة، كالضرب تحت الحزام"([3])
وأسوق
هذه الوقائع فأقول: "ذات مرة، تحدثتُ مع الفنان الكبير "محمد توفيق"،
وسألته عن سبب عدم انتشار أعمالي المسرحية، فقال لي: "يا بني، المسألة ليست
موهبة فقط، هناك أسماء محددة فقط هي التي تُعرض أعمالها، والبقية لا فرصة
لهم." ([4])
إن
مشكلة المحسوبية ليست جديدة، ولكنها ازدادت سوءًا الآن، حيث أصبح الجيل الجديد
أكثر تكتلًا، وأصبح الإقصاء أكثر وضوحًا، حتى في الجوائز الأدبية والمسرحية.
إننا
بحاجة إلى إعادة صياغة الفكر العربي والمصري؛ لأن المحسوبية والشلالية أصبحت أمرًا
مقلقًا في كل المجالات، ليس فقط في مصر، بل في جميع أنحاء الوطن العربي. فعندما
زرت الكويت، رأيت أن بعض الأسماء تُمنح فرصًا دون وجه حق، لمجرد انتمائها إلى
دوائر معينة، بينما يتم تهميش آخرين أكثر موهبة.
في
الحقيقة، لا يوجد إبداع جديد ينشأ من العدم، بل ينبع من تراكمات الماضي، فكل مبدع
تأثر بشخص أو بمدرسة فكرية معينة.
المسرحي
العظيم "صلاح عبد الصبور"، -على سبيل المثال- تأثر بمسرحية "حديقة
الحيوان" للكاتب الأمريكي إدوارد ألبي، وقام بتقديم أعمال تستلهم بعض
تقنياتها.
المشكلة
اليوم ليست في التأثر بالأعمال السابقة، بل في أن بعض المبدعين الجدد لا يمتلكون
أي أساس إبداعي، ورغم ذلك يظهرون فجأة ويطالبون بالاعتراف بهم دون أي مجهود أو
تاريخ حقيقي.
لقد
أصبحت المحسوبية والشلالية تسيطر على المشهد الأدبي والفني في الوطن العربي، وليس
فقط في مصر، وحتى في مجال النقد الأدبي، نجد أن مجموعة صغيرة من النقاد تتحكم في
المشهد، ويقومون بإقصاء الآخرين بشكل ممنهج.
أذكر
أن الناقد الكبير "أحمد خميس" اعترف في ندوة عامة خلال مهرجان المسرح
التجريبي العام الماضي، بأن بعض أساتذة النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية لا
يعرفون حتى كيفية كتابة نقد تطبيقي.
إن
الشِلَل الأدبية والفنية اليوم هي السبب الرئيسي في تدهور المشهد الثقافي في مصر
والوطن العربي، لأنها تكرس الرداءة، وتمنع المواهب الحقيقية من الظهور.
وفي
الختام، أؤكد أننا بحاجة إلى ثورة فكرية حقيقية، لإعادة بناء المشهد الثقافي
والفني على أُسس عادلة ونزيهة، بعيدًا عن الشلالية والمحسوبية، حتى لا نظل ندور في
نفس الدائرة المغلقة التي تعيق أي تقدم حقيقي. ([5])
[1] - مذكرات السيد حافظ ،تحقيق وتقديم ودراسة، د. ياسر جابر الجمال أستاذ الأدب والنقد. ج6/254
[2] - مذكرات السيد حافظ ، تحقيق وتقديم ودراسة، د. ياسر جابر الجمال أستاذ الأدب والنقد. ج6/255
[3] - مذكرات السيد حافظ ، تحقيق وتقديم ودراسة، د. ياسر جابر الجمال أستاذ الأدب والنقد. ج6/255
[4] - مذكرات السيد حافظ ،تحقيق وتقديم ودراسة، د. ياسر جابر الجمال أستاذ الأدب والنقد. ج6/255
[5] - مذكرات السيد حافظ ،تحقيق وتقديم ودراسة، د. ياسر جابر الجمال أستاذ الأدب والنقد. ج6/255