الفتوى بين الجمود وإدراك مآلات الأمور

0








عندما كنت في الأردن لحضور واحدة من الندوات الفكرية، وجدت الناس يتحدثون ويتناقشون حول فتوى للشيخ ناصر الدين الألباني، فقد أفتى الرجل بوجوب هجرة أهل فلسطين المقيمين في الأراضي المحتلة وترك ديارهم ووطنهم لليهود!

وحجته في ذلك أنَّ أهل فلسطين يتعرضون للأذى في دينهم وأعراضهم وأموالهم على يد إسرائيل، وأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام هاجر من مكة وتركها للكفار.


والحقيقة أنني عندما سمعت بهذه الفتوى شعرت معها بالانزعاج الشديد وبالقلق على مستقبل الإسلام، فقد أدخل الألباني نفسه - وهو من كبار المتخصصين في السنة - في ميدان الفقه السياسي، وعندما سُئلت في هذا الموضوع قلت: "إن دعوة أهل فلسطين إلى الهجرة من ديارهم هي قرة عين إسرائيل، وإنَّ تشبيه أهل فلسطين بأهل مكة هو تشبيه في غير مكانه، ولا يجوز لأحد أن يعقد مثل هذا التشبيه وأنا بين حالتين متباينتين".


أؤكد أن فتوى الشيخ الألباني خطيرة وغير مقبولة لا عقلا ولا نقلا، والجهل في هذا الكلام واسع، ولا أدري كيف صدرت هذه الفتوى.


من هنا فإنني أريد التنبيه إلى أخطاء المتخصصين في ناحية من العلوم وليست لهم قدرات على النبوغ في فروع أخرى من علوم الدين! وهؤلاء يجب أن نحتاط من فتاواهم، ونُحذِّرهم في نفس الوقت من المُضي في هذا الطريق.


قد يكون هناك رجل متخصص في السنة، ولكن علمه بالرجال شيء، وعلمه بواقع الأمة الإسلامية والمرض الذي يحتاج إلى علاج شيء آخر، فتكون النتيجة أن يسبب مثل هؤلاء للأمة حرجا كبيرا.


إنَّ فهم نص واحد أو تأويل موقف واحد من غير استحضار النصوص الشرعية ومعرفة السياسة الشرعية وفقه الواقع، لا يعطى الحق لأي أحد للقول في دين الله والفتوى بغير علم.


كذلك مَن اشتغل بالفقه وليست له بالسنة بصيرة، فإنه يجب أن يرجع إلى السنة، وأن يتعرف عليها، وأن يراجع كتبها؛ حتى يكون على بصيرة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن صاحب الرسالة ليس رجلا عاديا، فهو نبي مرسل، وإذا كانوا يعتبرون لكلام بعض الفلاسفة قيمة، فكيف بأعظم البشر الذي ظهر في الأزل والأبد، كيف لا نعتبر لكلامه قيمة وهو يحدثنا وحيًا عن الله ويشرح بكلامه كتاب الله؟!

-  مقالات الشيخ الغزالي، (3/ 159-160)، دار نهضة مصر.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)