يقول العلامة الشيخ الدكتور محمد أحمد المسير ( رحمه الله ):
منطق الأذلين
بلغني أن الشيخ محمد الغزالي _رحمه الله تعالى_ كان يلقي درساً في إحدى القرى فسمع منادياً خارج المسجد يقول : طفل تائه يا أولاد الحلال..!!
فقال الشيخ لجلسائه : هذا الرجل يبحث عن طفل تائه، ونحن أولى أن نبحث عن أمتنا التائهة..!!
ودلالة الخبر عميقة الأثر، فنحن أمة غاب وعيها وفقدت هدفها، واستكانت للذل، وتمكن منها عدوها فسلب مقدساتها واغتصب أرضها وسحق رجالها ونساءها وأطفالها، تحت سمع وبصر العالم أجمع ..!!
إن ما يجري للشعب الفلسطيني في الشهر الحرام (المحرم سنة 1423) وفي البلد الحرام (القدس الشريف) وداخل المسجد يندى له جبين الشرفاء من كل أمة وجنس.
لكن الأمة الإسلامية لا تقدم إلا الصراخ والعويل وسلاح الكلمات الجوفاء، وأحياء الحمقاء، فلم تحرك نكبة فلسطين لدى الأمة ما يتناسب مع جرائم السفاح شارون وجنوده إخوان القردة والخنازير، فقد مضت الجريمة الإسرائيلية في خطتها المرسومة ولم يفعل العرب والمسلمون إلا ما يفعله سائر الناس في العالم كله، بل لم يزد على ما يقوم به بعض أنصار السلام داخل إسرائيل نفسها ..!!
فالمظاهرات الصاخبة هنا وهناك، والوعود بتقديم الخيام والدواء والغذاء لجرحى الشعب الفلسطيني، وهذا هو ما يقدمه كل وثني وشيوعي، بل قد يكون هؤلاء الذين على غير الملة أكثر منا مساعدة في هذا الجانب.
فتلك مأساة مارستها أمتنا الإسلامية أكثر من مرة في السنوات العشر الأخيرة، مع البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها، ننتظر ببلاهة وسذاجة حتى تقع الجريمة ويباد الشعب وتنتهي المعركة ثم نسارع لإعادة التعمير ..!
أي منطق هذا ؟!
إنه منطق الأذلين الجبناء الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وهم المنافقون الذين توعدهم الله تعالى في قوله
"وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا"

