الحقيقة المرة. أحصاه الله ونسوه .

0


 
.

 انتهى الدرس يا غبب 

تيم سابستيان المذيع البريطاني في تليفزيون الـ ‏B.B.C‏ فاجأ ضيفة برنامجه المستشارة القانونية في قضايا الفساد الكبري‏..‏ بسؤاله الشائك‏..‏ هل صحيح أن هناك رؤساء دول كبري في أوروبا متهمين في هذه القضايا‏..‏ وهل مايقال عن ميتران صحيح؟! ‏..‏ وأومأت المستشارة القانونية رأسها‏..‏ 

نعم صحيح‏..‏ وعاد المذيع يسأل‏..‏ وماذا لو ثبتت صحة هذه التهم‏..‏ فقالت إنه محظور إذاعة هذه التحقيقات في حالة وجود الرئيس في الحكم ومحظور اتخاذ أي إجراء عقابي بصدده‏..‏ ولكن بعد خروجه من الحكم ممكن توجيه الاتهام إليه وممكن مساءلته‏..‏ قال المذيع بعد لحظة تردد‏..‏ وهل صحيح ما يقال عن شيراك‏...‏ وأومأت برأسها‏..‏ نعم صحيح‏..‏ ولكن أرجوك أن تعفيني من التفاصيل‏..‏ قال المذيع في حرج‏..‏ هل عينت هيئة المحكمة حرسا خاصا لصحبتك‏..‏ قالت‏..‏ نعم لدي حرس خاص‏..‏ وأردف‏..‏ وهل تتعرضين لمخاطر ومضايقات وتهديدات‏..‏ فأجابت‏..‏ نعم ومن كل نوع‏..‏ فنظر إليها باحترام شديد وقال هامسا‏..‏ يالها من مهمة صعبة‏.‏

قلت في نفسي وأنا جالس أتفرج‏..‏ لقد خرج ميتران من الحكم وخرج من الدنيا‏..‏ وهو الآن أمام القاضي الأعظم الذي لايخاف أحدا وأمام الزبانية الذين لا يخافون‏..‏ ياله من موقف‏.‏

هل خطرت هذه المحكمة الثانية علي بال ملوك ورؤساء هذا العالم وعلى بال الجبارين الذين لم يطرف لهم جفن وهم يباشرون جرائمهم‏.‏

إنها لم تخطر على بال الخليفة الأموي المسلم معاوية ، ولا ببال ابنه يزيد الذي قتل الحسين وأرسل برأسه مزهوا إلى بغداد‏..‏ لقد أسدل الله ستار الغفلة الإبليسية كثيفا على عيون الجبابرة لتكون المفاجأة صاعقة والصحوة بعد الموت شيئا رهيبا إنها الحبكة والمفاجأة التي تقشعر لها الأبدان‏.‏

من قال إننا مؤلفون وأن لنا شأنا ولنا بصيرة في الموقف الدرامي‏..‏ أين نحن في كل ما نكتب من هذا المشهد ، الزلزال الذي يحدث عند الموت ، إني أشعر بالستارة تفتح‏..‏ والشهود وقد تجمدوا من الرعب‏..‏ والجبارون وقد تحولوا إلى تماثيل من الشمع وقد اتسعت أحداقهم من الهول‏..‏ ولا أجد كلمة أجريها على ألسنتهم‏..‏ فقلوبهم هواء‏..‏ وأفئدتهم هباء‏.‏

مواهبنا تصاغرت‏..‏ وعقولنا تقازمت‏..‏ وتجمدت الكلمات في حلوقنا ومهما تطاول هؤلاء الجبابرة على شعوبهم فسوف يتحولون ساعتها إلي جرذان مذعورة تبول على نفسها من الخوف‏.‏

تعاليت ياربنا وتقدست في كمالك‏..‏

أين نحن من هذا؟‏...‏

كيف نسيناه‏..‏ وغرقنا في غفلة؟

كيف انسانا الشيطان لحظات الحساب هذه وألقى بها وراء ظهورنا؟‏..‏ كيف حجبت عنا شهواتنا هذا المشهد الرهيب؟‏..‏

كيف أسدل الطمع على عقولنا الحجاب فغابت عنا الحقيقة في بساطتها ووضوحها؟‏.‏

كيف يرتكب الجريمة هؤلاء الذين يتكلمون عن العدل بفخامة وتعاظم والذين أنشأوا المحاكم والسجون ليقف فيها غيرهم وفي أيديهم الحديد؟‏.‏

كيف يتكلمون عن القانون وهم يخرقونه؟‏.‏

كيف يحكمون وشهواتهم تحكمهم؟‏..‏ كيف ارتدوا لباس الملوك وهم عبيد؟‏..‏ وكيف حملوا صولجان العزة وهم لصوص؟‏.‏

إنها لنعمة أي نعمة أن يختار الله لك مكانا بين البسطاء من الناس وألا يجعلك مسئولاً إلا عن نفسك ولا يحملك إلا خطاياك فلا يجعلك ملكاً ولا أميراً ولا سلطاناً ولا حاكماً على أقدار الملايين‏.‏

كم أُدين لربي بالشكر لأنه أبعدني عن كل هذا واختار لي أن أكون خادماً لدولة الكلمة‏..‏ وجعلني أميراً على مملكة الحروف أبني بيوتا في الخيال وأشعل حروبا على الورق وأفجر قنابل من الفكر وافتح مدائن من الحكمة وأطلب العلم ولا أشبع‏..‏ وشغلني بهذا عن أوحال الدنيا ومزالقها وعن أطماع نفسي ومهالكها ، يا لها من نعمة سابغة أعلم مقدارها وأرجو أن أعمل دائما على شكرها فاجعل من الكلمة التي أكتبها مركبا إلى الحق وسبيلا إلى المعرفة ،وما أعظم الكلمة في قرآننا‏.‏

إن يحيى جاء بكلمة‏..‏ والمسيح كلمة‏..‏ وكل صنوف الخلق من أرضين وسموات وكواكب ونجوم وملك وملكوت وجن وملائكة وبشر ودواب ونبات وحيوان جاءت جميعها بكلمات الله وأمره‏..‏

ألا له الخلق والأمر ‏..‏ تبارك الله رب العالمين‏.‏

وعالم الأمر هو الملكوت الذي تتنزل فيه الكلمات لتكون خلقا جديدا في عالم الخلق على الصور التي يشاءها الله وبالكيفية التي يأمر بها في عالم الأمر‏..‏ وذلك من أسراره‏.‏

كيف تصبح الكلمة بشرا؟‏.‏

لقد ضرب الله لنا مثالا بالجينات‏..‏ وهي حروف كيمائية‏..‏ بمثابة الأوامر‏..‏ يتخلق الجنين على وفاقها فيكون إنسانا بالصورة التي يريدها رب العالمين‏.‏

لقد أراد الله أن يكون ذلك الإنسان سميعا بصيرا‏.‏

وهكذا أعطت الجينات أوامرها لتشكل الخلايا عيونا مبصرة وآذانا سميعة وقلوبا نابضة وهكذا حدث‏..‏ وتم لله ما أراد‏..‏

وسوف تمضي عشرات السنين في البحث وندرك إذا أراد لنا الله أن ندرك‏..‏ كيف كان ذلك‏..‏؟

وسيظل هناك فرق شاسع بما لايقاس بين علمنا وعلم الله‏..‏ فعلم الله مطلق‏..‏ وعلمنا مقيد بزمانه ومكانه وحدوده‏..‏ وبحكم المسموح به وغير المسموح به من ذلك العلم

ولولا أن الله استخلفنا وأقام آدم في الأرض خليفة‏..‏ لما بلغنا هذا القدر من العلم ولا هذا الشأن من الادراك‏..‏

إن الله أراد لنا تلك المكانة‏..‏ أراد لنا أن نكون خلفاء على الأرض نسوسها بأمره ونحكمها بهديه‏.‏

واستلزمت هذه المكانة أن نحاسب ونسأل ونثاب ونعاقب واستلزمت أن نمتحن وأن نؤجر على أفعالنا‏.‏

ومن أجل هذا كانت الدنيا بمغرياتها ومفاتنها امتحانا لإرادتنا‏.‏

وقد قبل آدم التحدي‏..‏ أن يأخذ حريته في يده‏..‏ وأن يختار أفعاله‏.‏

وكان آدم ظلوما جهولا بحدوده وحمل نفسه الحمل الذي لن يستطيع أن يحمله وقضى على نفسه وعلى ذريته بأن تكتوي بالمعاناة والعذاب‏.‏ وأن يستحق بعضها العقاب ويستحق بعضها الثواب‏.‏

كل هذا كان في الخطة العامة لخلق الكون بملائكته وشياطينه من البداية واقتضت رحمة الله أن يبعث لنا بالرسل والكتب وينذرنا بالنذر ويحببنا بالبشارات وأن تكون في حياة كل منا مصائب وكوارث لتحرك عقله وكوامنه وتدفعه إلى التساؤل والتأمل‏.‏


وهذه التربية‏..‏ كانت من أبواب كرمه‏.‏

وكانت النتيجة هي هذا العالم الشبحي الذي نعيش فيه والذي إسمه الدنيا والذي نسميه بالواقع‏.‏

وأكثرنا غرق في هذا الواقع الشبحي الدنيوي ولم ير غيره ولم يؤمن إلا بما يرى ويسمع في هذا الواقع‏..‏ وتصور أنه كل الواقع وأنه ليس وراءه شيئ وليس بعده شيئ ‏..‏ وتركنا أنفسنا لغواية الدنيا التي تختال أمامنا كالدمية الجميلة‏.‏

وفي المحافل المبهرة‏..‏ خطفت انتباهنا تلك العرائس المزوقة برقصها وغنائها وجمالها وفساتينها المذهبة‏..‏ وأكداس البنكنوت في صالات القمار وفلاشات الكاميرات على وجوه النجوم وأهل الصدارة‏..‏ ولم نسمع الهمس الخافت في أعماق ضمائرنا بأن كل هذا البريق عرض زائل ودنيا زائلة وبأن كل هذا امتحان‏..‏ وجاءنا صوت الشيطان الأجش ساخرا‏..‏ هذيان عجائز حكاية الأديان وتخاريف كتب قديمة انتهي زمانها لا تصدقوها‏..‏ أين هذا من ملكة الجمال التي تخطر نحونا‏..‏ ما رأيك في هذا الصدر الناهد وفي هذا الخصر الهضيم‏..‏ وفي هذا الشعر الفاحم المنسدل على جبين كالفجر ‏..‏ روعة ‏..‏ جمال مسكر ‏..‏ خذ رشفة من هذه الكأس‏..‏ إنه نبيذ معتق في أقبية الكنائس من العصور الوسطى ‏..‏ هذه أمسية لا تنسى ‏..‏ من ذا الذي يفكر في الصحو من هذا الحلم ‏..‏ خذ رشفة أخرى ‏..‏ وأخرى وأخرى ‏..‏ وأخرى ‏.‏

وسوف يلازمك شيطانك‏..‏ لن يدعك تصحو إلا بعد فوات الأوان‏..‏ بعد أن ينصرم العمر ويدهمك خرف الشيخوخة ويأتيك ملك الموت‏..‏ وساعتها سوف يأتي الصحو‏..‏ وسوف يأتي الفزع الأكبر ويأتي الهول‏..‏ وسوف تتفتح العين الداخلية على المفاجأة فترى وتشهد كل شيئ ‏..‏ وساعتها لن ينفع ندم‏..‏ ولن يجد لسانك الكلمات التي يعتذر بها‏..‏ وسوف تتسع حدقات العيون من الذعر ‏..‏ وتتجمد الأطراف من الرعب‏.‏

وذلك مشهد الزلزال ‏..‏ الذي لن تزاح عنه الأستار إلا ساعة الخروج من الدنيا‏.‏

وهو مشهد لم يتجسد في مسرح ولم يصنعه مخرج ولم تره عين ولم يخطر علي بال مؤلف‏.‏

وهو لا يأتي إلا مرة واحدة‏.‏

وذلك لكل منا في ساعته حينما ينتهي كل شيئ ولا يبقي أمل في إصلاح ، ولا وسيلة إلى تغيير‏.‏

وسعداء هم الذين حسبوا حسابه وأعدوا له عدته‏.‏

ترى هل سألت نفسك ماذا أعددت لهذا اليوم؟‏.‏

ترى هل سألت نفسك ماذا تصورت له؟‏..‏ وماذا توقعت فيه؟‏.‏

إن الرجل الأوروبي يضحك في سخرية إذا فوتح بالموضوع‏..‏ وهو ينظر إليك على أنك شرقي متخلف وأنك تعيش في هلاوس وأوهام ‏..‏ وأنك درويش مغفل ورجعي ومنفصل عن الواقع وغير علمي وغير موضوعي ‏.‏

والواقع الذي يستوجب النظر عنده هو أن تنشغل بالقضايا المهمة العاجلة مثل حقوق الشواذ وحقوق المرأة في الإشباع الجنسي وحقها في أن تعاشر من تحب ولو لم يكن زوجها ، وحقها في الطلاق ، وحقها في الانجاب من من تشتهي ، وحقها في عدم الانجاب إذا أرادت ‏..‏ وحقها في أن تختار امرأة مثلها لتتزوجها ، وحقها في الاستمتاع العلني بهذه الشهوات ‏..‏ وهذه جميعها حقوق واجبة الاحترام وهي ملامح حضارة وتقدم وتطور ‏..‏ فإذا قلت له إنها ملامح إنحلال ‏..‏ نظر إليك في إستغراب ودهشة وراح يتأملك من رأسك إلى قدميك في إمتعاض كما لو كنت قردا أو سلحفاة‏.‏

من أي بلد أنت؟ شكلك أفريقي من زيمبابوي أو غانا أو غينيا أو بوروندي‏..‏ هل أنت من الهوتو أو من التوتسي؟‏..‏ إن حروبكم لا تنقطع هناك‏..‏ انكم تأكلون بعضكم بعضا‏..‏ وما هي حكايتكم بالضبط‏..‏

ولن يعطيك الفرصة لتشرح له كيف أن المستعمرين البيض هم الذين سلحوا الهوتو والتوتسي وهم الذين أشعلوا هذه الحروب في القارة الإفريقية لتسلم لهم مناجم الالماس والذهب في رواندا وبوروندي وسائر الكونغو وأن المستعمرين في زيمبابوي هم الذين استولوا على الأرض الخصبة وتركوا الأرض البور للوطنيين هناك‏..‏ وأن القضية هي قضية الاستعمار والظلم والإبادة‏..‏ والعدوان على الأرض وعلى الثروة وعلى كل شيئ ‏..‏ وأنه لا أحد من هؤلاء الأفارقة الجياع يفكر في قضايا مثل حقوق المرأة وحقوق الشواذ‏..‏ لأن حق اللقمة غير موجود‏..‏ ولأن التاريخ هناك مازال في بدايته والناس هناك مازالوا في حرف الـ أ‏..‏ أما عندكم فالتاريخ وصل إلى نهايته‏..‏ إلى حرف الياء‏..‏ التاريخ عندكم يحتضر‏.‏

نعم‏..‏ ظواهر الانحلال التي نقرأ عنها في أوروبا هي ظواهر شيخوخة واحتضار وموت‏..‏

إن شمس الانسان تغرب هناك في أوروبا وأمريكا والسويد والنرويج وبلاد الشمال حيث الوفرة والغنى والترف والسرف وحيث يشبع الانسان إلى درجة البطر وحيث يحصل الانسان على كل حقوقه فيطمع بخياله المريض في حقوق شاذة مثل اللواط والسحاق وزواج الرجال بالرجال وزواج النساء بالنساء‏..‏ إلى آخر هذا الهراء ‏..‏

إنه الشبع المطغي الذي يثير الشهوة الميتة إلى كل غريب وشاذ وغير مألوف في أمل مريض باختلاق لذة جديدة عجيبة غير متوقعة‏.‏

لقد شبعوا هناك من المألوف‏,‏ فلم يبق لهم إلا اختلاق واصطناع كل غريب‏,‏ إنه الموت والتحلل والتعفن المجازي‏.‏

وسوف يأتي في أعقابه الموت الحقيقي فجأة وبلا استئذان‏.‏

وصرعة الموت الحقيقي لا مثيل لها‏..‏ إنها مثل قرعة الطبل أو نفخة الصور أو ما لا نعلم من الأهوال وهي الإفاقة المرعبة والفجائية على واقع جديد لايخطر على بال ‏..‏ وهي المشهد الزلزال الذي سوف يفتح الباب على مجاهيل وأسرار لا نعلمها ‏.‏

ولا أجد اللغة ولا الحروف ولا الخيال لتوصيف ما لا يوصف‏.‏

ولا أحد عاد ليحكي‏..‏ فالطريق إتجاه واحد‏..‏ والباب الدائري يلقي بالداخل إلى حيث لا عودة و لا رجوع و لا تواصل حتى و لو كان مع المرحوم Mobile‏

هل فهمتم شيئا ؟‏.‏

هل خرجتم بشيئ ؟‏.‏

أرجو أن تخرجوا بشيئ ‏..‏ فنحن لانملك إلا حياة واحدة وفرصة واحدة وامتحاناً واحداً‏..‏ ولايوجد ملحق ‏..‏ ولا إستثناءات للأكابر‏..‏ ولا دروس خصوصية لأولاد البهوات‏...‏ وليس عند ملك الموت إلا كلمة واحدة للمتخلف‏.‏

إنتهى الدرس ياغبي ‏!!‏

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)