(الذكرى
الأولى)
29/12/2022م
الطفل صغيرًا، لا يفقه ما
يدور حوله من صخب الحياة وضجيجها، غير أنّ ذاكرته الوليدة تشبّثت بأول انتماء:
انتماؤه إلى القرية. هناك، كان خرير المياه في القنوات والجداول يهمس له بأغاني لا
تنتهي، وكانت العصافير تبعث في صباحاته نشيدًا طفوليًّا بريئًا، يختلط بضحكات
الريح وهي تتسلّل بين أغصان الشجر وحقول الزرع. ومع ذلك، لم تكن القرية لوحة كاملة
الجمال؛ فقد كان يرى بأعينه الصغيرة الشوارع المزدحمة بالقمامة، والأطفال الحفاة
الذين تجلد أقدامهم الأرض الوعرة، وثيابهم الممزقة التي تفضح فقرهم أكثر مما تستر
أجسادهم. وفي كل مساء، كان يودّع النهار بغروبٍ يلون الأفق بلونٍ مائل إلى الحزن،
كأن الشمس تغيب معه عن عالم لم يفهمه بعد. هكذا كان يومه، بسيطًا في ظاهره، عميقًا
في أثره

