المتأمل في أعمال إحسان عبد القدوس
الروائية، وهي كثيرة ومتنوعة، يلحظ أمرًا مهمًا يتمثل في عنايته البالغة بقضايا
المرأة، أو ما يُعرف اليوم بقضايا النسوية. ويُعد هذا الاهتمام محورًا بارزًا
وفارقًا في النتاج الروائي لإحسان عبد القدوس.
كما يُلحظ في أعمال إحسان عبد القدوس
اهتمامه بالقضايا الوطنية، وقضايا النضال الوطني ومقاومة الاحتلال البريطاني
وغيره. وقد تجلى ذلك في عدد من أعماله الروائية والدرامية على حد سواء، إذ تحولت
معظم رواياته وقصصه إلى أعمال درامية وسينمائية، مثل رواية في بيتنا رجل وغيرها من
الأعمال التي شاهدها الجمهور على شاشة السينما.
على أنّ هناك قضية جديرة بالملاحظة في
أعمال إحسان عبد القدوس، تتمثل في ذوبان القضية الكبرى لصالح قضية صغرى. وهذا الأمر
قد يُضعف من أهمية العمل، أو يحدّ من قوته، بل قد يُسقطه من عليائه. وهذه الملاحظة
لا يدركها إلا النقاد عبر قراءة متأنية بين السطور، أو من خلال إبراز ما خفي في
النص.
قد تُذوَّب القضية الكبرى في قضية
هامشية، أو في قضية لا تنسجم مع المسار المرسوم للبطل، الذي حُددت له رؤية وصورة
معينة، وأُخرج ضمن إطار محدد."
وإذا أردنا توضيح هذا الأمر، فلا بد
أن نرتكز على أحد الأعمال الكبرى لإحسان عبد القدوس، وهو عمل (في بيتنا رجل)، الذي
حُوِّل إلى فيلم سينمائي من بطولة عمر الشريف، وحسن يوسف، وتوفيق الدقن، وزهرة
العلا، وحسين رياض ، وغيرهم.
إن هذا العمل قدّم صورة البطل القومي
أو الوطني الذي يدافع عن وطنه ضد الاحتلال، ويناضل من أجل القضايا الوطنية الكبرى.
غير أن الإشكالية تكمن في أن هذا البطل انصرف لاحقًا إلى قضية أخرى، كما سنرى."
القضية الكبرى التي كان يقوم بها عمر
الشريف في شخصية إبراهيم حمدي – وهو اسم رمزي يرمز إلى أبطال الوطن في مقاومتهم
للعدو المعتدي، أي الاحتلال الإنجليزي – هي قضية الوطن والدفاع عنه. غير أنّ هذا
البطل وقع في حب فتاة، وانشغل بعاطفته نحوها، حتى إنه في أحد حوارات الفيلم قال
لها إنها أهم ما في حياته، وأنه من دونها لا معنى لوجوده. هذا الطرح يثير إشكالية
على مستوى السيناريو، إذ يجعل قضية الحب تتقدّم على القضية الوطنية التي قام البطل
من أجلها، وكأنها أصبحت محور حياته الأول. وهذا لا يعني أنّ البطل لا يحق له أن
يحب أو يعشق، ولكن الترتيب بين الأولويات بدا مختلاً، إذ غلبت العاطفة الشخصية على
الواجب الوطني."
كيف يمكن لثائرٍ أن يهدأ قبل أن تتحقق
مطالبه؟ وكيف له أن يترك قضاياه الكبرى والعظيمة لينشغل بقضايا فرعية قد تُعيقه أو
تُشكّل انحرافًا عن مساره؟ هذا ما مثّله الفيلم، حين تراجع إبراهيم حمدي عن السفر
إلى الخارج لمواصلة نضاله، وبدا وكأن القضية الوطنية قد تراجعت أمام هموم شخصية.
غير أن إحسان عبد القدوس حاول، في نهاية الفيلم، أن يصحح مسار الأحداث ويوقف سلسلة
الانهيار الدرامي، وذلك بجعل إبراهيم حمدي يعود إلى مواجهة الإنجليز بأعمال نضالية
وبطولية، حتى يظل العمل في إطاره الوطني، ويستعيد شيئًا من مساره الطبيعي."