الدكتور ياسر الجمَّال يكتب الزحاف والإبداع الشعري.

0

 



قد يلحق البيت الشعري زحاف، وعرف العرضيون الزحاف بأنّه "كلّ تغيير يتناول ثواني الأسباب بتسكين  المتحرك أو حذفه أوحذف الساكن([1])،ولكون الزحاف مختصًا  بثواني الأسباب - كما ذكر الأخفش - لا نراه يتناول من التفعيلة إلا الحرف الثاني أو الرابع أو الخامس أو السابع ، فهولا يدخل  الحرف الأول ، لأننا ذكرنا أنه يدخل ثواني الأسباب ، والأول لا يكون إلا متحركًا ولا الثالث لأنه لا يكون إلا أول سبب أو ثالث وتد ، ولا السادس لأنه لايكون إلا أول سبب أو ثاني وتد.([2])،ودخول الزحاف في جزء من القصيدة لا يستلزم دخوله في بقية القصيدة ، وهو يصيب الجزء أي التفعيلة حشوًا  كان أم  عروضًا أم  ضربًا([3]).

 إنّ عد الزحاف تغيرًا غير ملزم، بالنسبة  للشاعر ، هو الذي يجعل منه اختيارًا في غاية الأهمية ،  بحيث تستدعيه التجربة الشعرية  لدواع صوتية ، وإيقاعية وجمالية ، على أن علماء العروض والشعرية يربطون الزحاف بالتفعيلة لا بالبيت الشعري.

وقد قسم العروضيون الزحاف قسمين :

القسم الأول : الزحاف المفرد :   ويكون بتسكين الحرف أو حذفه  ، ويطلقون عليه بعد ذلك الإضمار ، الوقص ، الخبن ، القبض .....إلخ.

القسم الثاني : الزحاف المزدوج : سمي مزدوجًا لاجتماع نوعين من الزحاف المفرد في التفعيلة الواحدة  مثل : الخبل ، وهو اجتماع الخبن مع الطي([4]) .

وقد ذكر ابن رشيق في العمدة أنماطًا تستحسن من الزحاف فقال :" ومن الزحاف ما هو أخف من التمام وأحسن ، كالذي يستحسن في الجارية من التفاف البدن واعتدال القامة مثال ذلك مفاعيلن في عروض الطويل التام تصير مَفُاعلٌن في جميع أبياته وهذا هو القَبْض، وكل ما ذهب خامسه الساكن فهو مقبوض ، وفاعلن في عروض البسيط التام وضربه يصير فَعِلُنْوذلك هو الخَبْن ، وكل ما ذهب ثانيه الساكن فهو مخبون . ومُفَاعلتن في عروض الوافر التام وضربه حذفوا منه التاء والنون وأسكنوا اللام فصار مُفاَعَلْ، فخلفه فَعُولُنْ،وهذا هو القطْفُ، وليس في الشعر مقطوف غيره "([5]).

وللشعر توابله بما يحقق للشعر شعريته ، وبها يأسر هذا الذي كان يترصده فيحوله من خصم خصيم إلى عاشق ولهان " ومنه ما يستحسن قليله ـ الزحاف - دون كثيره ، كالقَبَلِ اليسير والفَلَج واللثغ "([6]).

لكن الزحاف إذا تملك من الشاعر وراح يخرج من بين بنانه لا ريب أنه سينخر عظام قصائده ، ويدب الوهن في مفاصلها ، فتغدومثقلة ، مرهقة بالرقع ، وينفصم الوزن الشعري عنها ويتبرأ منها  وتندثر أواصر المحبة بين مقاطعها وتفعيلاتها ، وتعم الغربة ويستبدُّالزحافُ، ولذلك لا يحمل الشعراءعلى " ارتكاب الزحاف إلا ما خَفَّ منه وخَفَى ، ولو أن الخليل ــ رحمه الله ــ وضع كتاب العروض ؛ليتكلف الناس ما فيه من الزحاف ويجعلوه مثالاً دون أن يعلموا أنها رخصة أتت بها العرب عند الضرورة لوجَبَ أن يتكلف ما صنعه من الشعر مُزَاحَفًا ليدل بذلك على علمه وفضل ما نَحَا إليه "([7]).

والزحاف يخلق تنّوعًا موسيقيًا ويكسر رتابة النغمات المتساوية ، ومادام الأمر كذلك فإنه لاضير " من عدّ المزاحفة فنًا يشهد بصحة الذوق والقياس والسماع وقد يكشف الإنشاد المهيج للأصوات المطرب  للأسماع المفتق لمكنونات السياقعن حنكة في مواضعة  الزحاف المواضع اللائطة بها مما يجعلها حسنة للسمع ومطابقة للفطرة السليمة للذوق "([8]).

وإزاء هذا الحرص على القافية جاء شعر " ......... " موحد القافية فأضفت عليه هذه الوحدة ضربا من السحر والجمال بما أحدثته في أواخر الأبيات من تماثل في الأصوات وتكرار في النغم تألفها آذان السامعين ، وتسر بها نفوس المتلقين.



[1]-الكافي في العروض والقوافي : للتبريزي ص19، وانظرأيضًا، البارع في علم العروض: ابن القطاع ، تحقيق،د. أحمد محمد عبد الديم ، المكتبة الفيصلية ، مكة، ط2 ، 1985م، ص71.                                                       

[2] - البارع في علم العروض : ابن القطاع ، تحقيق،  أحمد محمد عبد الديم،  ص71.

[3]-الشعر والنغم : رجاء عيد، صـ8-83. .

[4]- البارع في علم العروض : ابن القطاع ، ص72.

[5] - العمدة :ابن رشيق ج 1/138،139.

[6] - المرجع السابق، ج 1/139.

[7] - العمدة :لابن رشيق ،ج1/150.

[8] - عضوية الإيقاع في موسيقى الشعر العربي :د. عهدي السيسي ، ص119.


إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)