واقع أمة بين التراجيديا التاريخية والملهاة المصطنعة .

0




يخبرنا التاريخ دومًا بوجود علاقة جدلية بين الطبقات، وهذه العلاقة مؤسسة على معطيات متعددة، يمكن لنا تقبلها أو رفضها وفق رؤية كامنة في عقلية الفرد وناتجة عن معطيات معرفية حول قيمة الفرد في سياق الجماعة والمجتمع، لهذا كانت مهمة الكاتب والمؤرخ تحتاج إلى موقف نبيل حيال ما يُكتب ويُدون، حتى لا تصبح القضايا مجرد زيف يتناقله الأجيال تلو الأجيال، ومن تلك المعاناة تخرج المأساة التي أشرنا إليها في مفردات العنوان السابق.

هذا الوعي بأهمية الكاتب والكتابة قد أدركه السيد حافظ وهو يتعامل مع المتلقي باعتباره البيئة التي من خلالها ينهض العمل، وعليها تؤسس النهضة، فأخذ يؤسس في الجزء الخامس من مذكراته لتلك القضية باعتبارها تمثل منعطفًا أساسيًا في بناء العقل الحضاري على محاور متعددة وهي: – المسرح – السينما – التليفزيون - وأخيرًا الرواية، فنجده يقول: "عندما تقوم بالكتابة، فأنت ككاتب تؤدي عملاً شاقًا في بيئة غير طبيعية. تتحمل عبء وظائف أخرى، مثل وظيفة النجم، والمخرج، والمنتج، وتقود صناعة السيناريو الإبداعية معتمدًا على الحاجة إلى تقديم عمل فني متميز يلامس الجمهور."([1])

هذه المعطيات التي أكد عليها السيد حافظ تمثل حجر الأساس في إدراك العملية الإبداعية، ومن ذلك يمكننا التساؤل ، هل تنطلق العملية الإبداعية بداية من خلال الكاتب؟ أم السيناريو؟ أم الممثل؟ أم المنتج؟ أم المخرج ؟

والحقيقة التي يؤكدها السيد حافظ أن العملية الإبداعية تكمن في جودة السيناريو الذي تنطلق منه كافة المحاور الأخرى، فالممثل قد يتم استبداله، وكذلك المخرج والمنتج، إلا النص فهو الذي يمارس سلطة على الجميع باعتباره الأداءة الأقوى تأثيرًا في العمل الفني، خصوصًا إذا كان ذلك العمل يحمل مضامين حقيقة تهدف إلى استنهاض الوعي وبناء العقل. وفي  ذلك يحدثنا فيقول: "دعني أؤكد لك أن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي وسيلة للتعبير عن التاريخ والثقافة.. لذا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن المواد المقدمة للجمهور لها تأثير كبير عليهم؛ لذا بينما نستخدم التكنولوجيا والوسائل الحديثة لزيادة التفاعل، ينبغي أن نحرص على عدم الانزلاق نحو إنتاج محتوى يساهم في زيادة جهل وتخلف الجمهور، بل نحن بحاجة إلى تقديم الأفكار الجيدة والقصص المبتكرة، مع مراعاة أن تكون الرسائل التي نقدمها واضحة وقابلة للفهم.. وأحيانًا علينا أن نقدم محتوى أقل تعقيدًا وأكثر سلاسة، حتى نصل إلى الجمهور بطريقة أفضل. فما أريد قوله هو أن تقديم 20% (عشرين بالمائة) من الفكر مع 80% (ثمانين بالمائة) من الفن يمكن أن يخلق توازنًا جيدًا، وفي تجربة سابقة كتب أحد الكتاب مشهداً يظهر فيه العوائق التي تواجه الكاتب والمبدع. وكان المشهد يدعو لضرورة "غسل الرموز المقنعة بالوضوح"، مما يعكس أهمية التوضيح في الرسالة الفنية.

وفي ورش العمل، نجد أننا نعمل مع فنانين وكتاب من خلفيات متنوعة، مما يوجب أن تكون اللغة المستخدمة بسيطة وسهلة، خاصة عند تقديم عروض جماهيرية في مناسبات وطنية، ويكون الهدف هو جذب الجمهور وجعله يتفاعل مع الفن."([2])

هذا الخطاب المؤسس الذي يقدمه السيد حافظ حول العملية الإبداعية برمتها منذ لحظة مخاض الفكرة التي يتم تحويلها إلى سيناريو، ومرورًا بالمراحل المتعددة كالتمثيل والإخراج والإنتاج، وكافة مايتعلق بالعمل الفني، وتحويل النص المكتوب إلى لوحات فنية حقيقة واقعية تلامس الواقع الذي نحن بصدد محاكاته، لا يمكن أن يكون إلا عملاً حقيقًا يتنزه عن الزيف أو السفاهة والسقوط في هوة الأعمال الردئية، والتي تقود بدورها إلى صناعة الوعي المزيف، وتحويل الرسالة الفنية إلى مجرد أعمال مبتذلة وساقطة ، لذلك فإنه "يجب أن نتذكر جميعًا أهمية الكتابة بأنواعها، سواء كانت مسرحية أو سينمائية.. فالكتابة ليست مجرد رؤية فنية، بل هي صناعة تتطلب مهارات واحترافية"([3])

هذا المسار يوضح أهمية الكتابة التي يحدثنا عنها السيد حافظ والتي تمثل مؤشرًا مهما في عملية صناعة الوعي الذي يقدمه الفن ويحاول النهوض بالمجتمع من خلاله، وإلا فليس من الإبداع أن "تتحول السلوكيات الخاطئة إلى سلوكيات جينية عبر الأجيال، وتكون مثيرة للاهتمام، وتطرح تساؤلات حول كيفية تأثير هذه السلوكيات على المجتمعات بشكل عام"([4]).



([1]) - مذكرات السيد حافظ ، تحقيق وتقديم ودراسة د. ياسر جابر الجمَّال ،  ج5/13

([2]) - مذكرات السيد حافظ ، تحقيق وتقديم ودراسة د. ياسر جابر الجمَّال ، ج5/13- 14

([3]) - مذكرات السيد حافظ ، تحقيق وتقديم ودراسة د. ياسر جابر الجمَّال ، ج5/19.

([4]) - مذكرات السيد حافظ ، تحقيق وتقديم ودراسة د. ياسر جابر الجمَّال ، ج5/35

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)