كما
أن الرواية تمثل علامة فارقة في أدبنا العربي بما تحمله من تقنيات ومؤثرات منفتحة
دلاليًا على مستويات متعددة – على الرغم من كونها من الفنون الحديثة في الأدب –
فإن الشخصيات الروائية التي ظهرت في الستينيات تمثل أيضًا علامة بارزة في تاريخ
الرواية ومضمونها، ومن هؤلاء "صنع الله إبراهيم".
صنع
الله إبراهيم ابن حي العباسية، والابن الأصغر، وصاحب الاسم الأبرز من حيث الدلالة
والمضمون. كان يُلقَّب في منطقته – أثناء الطفولة – بـ"صنعو" على غرار
ما يطلقه العوام على "عبد الله" فيقولون "عبده". وهو روائي
مصري يُعدّ من كبار كتّاب الرواية العربية وأحد أبرز نجوم "جيل
الستينيات" في الرواية العربية المعاصرة. يتميز بغزارة الإنتاج وتنوع
الكتابات التي تجمع بين السيرة الذاتية والوثائقية والريبورتاج الصحفي والنقد
الاجتماعي، وخاصة نقد الظواهر والأنظمة المرتبطة بالرأسمالية. كما أن أعماله شديدة
الارتباط بسيرته الذاتية من جهة، وبمسار تأريخ مصر من جهة أخرى.
وعندما
نتحدث عن الرواية العربية، سواء من حيث التأريخ للظاهرة أو دراستها، فإننا نجد
الأمرين متجسّدين في تجربة "صنع الله إبراهيم". فهي تجربة غنية محملة
بالتقنيات والدلالات، كما أنها ترسم سياقًا معرفيًا متميزًا على مستويات متعددة:
اجتماعية وثقافية وسياسية. [1]
وإذا
نظرنا إلى الرواية باعتبارها معادلًا موضوعيًا لقضايا المجتمع، فإنها تُعدّ من
أكثر الأشكال الفنية تعبيرًا عن واقع المجتمعات وموروثاتها. فهي بمثابة
"ترمومتر" يقيس حرارة المجتمع؛ لأنها تتشرب ملامح التيارات الفكرية التي
تموج به، وتتكيف مع مختلف المواقف، وتتعقب الظروف التي تحيط بالناس. ولذا فهي من
أبرز الوسائل التي يمكن من خلالها قراءة الأحوال الاجتماعية بكل تفاصيلها
وألوانها، والوقوف على مواطن الخلل والألم في مسيرة الإنسان اليومية. [2]
من
هنا، فإن كتابات جيل الستينيات – الذي ينتمي إليه صنع الله إبراهيم – تمثل حلقة
مهمة في مسار الرواية على المستويين الفني والموضوعي. فقد كانت معاصرة هذا الجيل
للأجيال السابقة حافزًا مزدوجًا لتوسيع أفق الإبداع عند الطرفين، وخاصة في مجال
الرواية والقصة القصيرة. فتأثر كل طرف بالآخر، وبقدر ما كان الجيل الجديد حريصًا
على إثبات حضوره الإبداعي في مواجهة الكبار، أمثال نجيب محفوظ ويحيى حقي وفتحي
غانم ويوسف إدريس وغيرهم، كان الكبار حريصين بدورهم على التجدد الإبداعي. وقد
أصبحت هذه السمة من أبرز ملامح الستينيات وما تلاها من تحولات، الأمر الذي أشعل
حماسة الشباب في منافسة أدبية قوية تهدف إلى تقديم كتابة مبتكرة لا أثر فيها
للتقليد، بل تتسم بالابتكار والإبداع. واستمرت هذه الروح الخلّاقة عابرة إلى
السبعينيات والثمانينيات، مضيفة إلى البداية الستينية زخمًا جديدًا وحيوية متجددة،
لا تزال مستمرة حتى اليوم. [3].
تعرض
صنع الله إبراهيم للاعتقال بسبب مواقفه السياسية في سن مبكرة – السادسة عشرة –،
ولذلك تشكّلت لديه حاسة سياسية نشطة انعكست على كتاباته. كما كان انتماؤه الشيوعي
حاضرًا في أعماله ورؤاه تجاه القضايا. ولا يمكن إغفال السياقات التي أسهمت في
تكوين رؤيته الاجتماعية والفكرية، ومن ثم عطائه المعرفي.
كتب
صنع الله إبراهيم مجموعة من الروايات على امتداد حياته، وما زال يكتب حتى الآن.
ولكل مشروع من مشاريعه أبعاده وقضاياه الفنية والفكرية. وتجدر الإشارة إلى ضرورة
التفرقة في أعماله بين زمن كتابة الرواية وزمن صدورها، وهو ما يكشف لنا عن قضية
مهمة في منهجه الإبداعي، وهي الموقف السياسي مما يكتب، حيث كان للظروف السياسية
والاجتماعية أثر كبير في تشكيل اختياراته وطرق معالجته للقضايا.
[1] - محمد واثق حسين: رواية "شرف" لصنع الله
ابراهيم: دراسة تحليلية، مجلة أقلام الهند، السنة الثانية، العدد الثالث،
يوليو-سبتمبر 2017 م، ص1.
[2] - نقد المجتمع المري في رواية جيل الستينات ، ص1
[3] - جابر
عصفور : رواية الستينيات وما بعدها، مجلة العربي ، ع627،