يقول الدكتور جمال بخيت تحت عنوان " النسوة ناقصات عقل ودين" .
تحت هذا العنوان شن واحد من المنتسبين إلى السلفية غارة شعواء على النساء ، متذرعا فى غارته بنص نبوى شريف ، ولكنه بفهمه القاصر لا يدرى ذلك المغبون أنه يبصم بصمة تأييد وتوكيد للإتهام الموجه للملة السمحاء بأنها تزدرى المرأة وتحط من شأنها ، وهممت بعد أن فرغ صاحبنا من كلمته أن أجادله بالتى هي أحسن ولكننى لم أفعل خشية أن يمارس غروره المعهود فيهم على شخصى أو يرمينى سريعا بالجهل وهو مؤلم لنفسى ولو كان حقا ، واستعضت عن محاورته بجدل أدرته فى مخيلتى حيث استحضرت الفتى وأجلسته بحذائى وجعلت أناقشه فيما ألقاه من كلم شنع فيه ببنات حواء .
سألته : ما هذا الذى ألقيته على مسامع القوم فى شأن النساء ؟ أوليس أحرى بك أن تتحسب لوقع مقالك على قلوبهن ؟ أولا تخشى أن يتسلل إليهن شعور من النفور لما قلت وبه يكن نفرن من حديث نبوى ؟ وهنا رأيته قد امتشق لسانه وبسط بالغضب ملامح سحنته وأحتد قائلا : إن هذا الذى ذكرته فى مقالتى حديث صحيح رواه فلان عن فلان وأكمل العنعنة وقال فيه الحافظ الفلانى كذا ووافقه المحدث الفلانى ، وتركته يسهب فيما يجيد هو وضرباؤه من الحفظ والإستظهار ، حتى إذا ما فرغ ابتسمت له ابتسامة صفراء غير خبيثة ورددت عليه ، يا أخى إنما أنت تجهد نفسك فى إثبات مثبت وتوضيح واضح وتريد أن تعلمنى ما أعلم ، وإنما قصدت إليك أن تدرك ما يعنيه قولك وما يقتضيه ، وأنك به توافق المتربصين بديننا وتؤكد ما يفترونه ، فغر فاه فى صمت متعجبا غير واع فأردفت ، يا بنى إن المرأة حين تنقطع عن العبادة لعذر شرعى لا حيلة لها في دفعه عن نفسها يقتضى الإنصاف ألا ينتقص من حقها لأجله وألا تعاير به ، وإنما كان النقص فى دينها يذهب إلى العبادة لا إلى الإيمان ، وإلى عمل الجوارح لا إلى القلوب ، ولو كان الإنقطاع عن العبادة لعذر شرعى يأتي على الإيمان أو ينتقص منه لما وجدنا على وجه البسيطة مؤمنة ولا تقية وهو ما يجافى الواقع المنظور ، أوليس كذلك أم ترانى أهرف بما لا أعرف ؟ لم يجب أو أنه لم يعى ما أقول ، فقلت له إستزادة للإيضاح ، أنت آدم اللون غير وسيم ، أتراك على هذا تحاسب أو يهضم حقك ؟ قال في تردد : لا .. قلت فالمرأة فى حيضها الحائل لها عن عبادتها كذلك لا اختيار لها ومن ثم فليس من العدل أن يكون سببا فى انحطاط شأنها ، أو حرمانا لها من بلوغ درجة الرجال فى إيمانها .
ونقصان عقلها لا يعدو عن ذلك ، فهى لم تصنع عقلها ولا أرادت له النقص ، وإنما جبلها خالقها - جل شأنه - عليه ولكنه منحها عوضا عنه وجدانا عبقريا بمنزلة العقل فى الأهمية أو يزيد ، فبغير وجدانها الموار وشعورها الرقيق لجفت الحياة وقست كأحجار الجبال ولما نهضت بأعباء الزوجية ونالت شرف الأمومة ، وبهذا الوجدان وتلك المشاعر تضاهى الرجل بعقله ولا تنقص عنه شيئا .
صاحبنا لم يهضم ما أقول ولا استساغ ما يسمع بيد أنه عن الرد عاجز مقهور ، أدركت ذلك منه وكففت عن الحرث فى الماء والنقش على الهواء ثم استفقت على وسواس خبيث يسرى إلى عقلى فى سؤال وجيه ، لم شنع صاحبنا بالنساء وهو بهن مغرم ومولع ولا يفتأ فى جلساته يحبذ تعدد الزوجات كما يفعل شيوخه إنفاذا للسنة الصحيحة ؟ .
أجابتنى بقايا من علم نفس قرأته بأن ضراوة الهجوم على شئ قد تكون تورية للولع به وإيهاما للآخرين بنقيض ما يعتمل فى نفس ذلك المهاجم .