بسم الله، والحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أحب أن أتطرّق إلى فكرة أو أتحدث في
موضوع القصص في القرآن والسنة، وهو مصطلح تفرّدنا به في بيئتنا الإسلامية. وقد
وجدت كتابات كثيرة تتناول هذا الموضوع. ، و قبل أن نتحدث عن هذه الكتابات أو عن
روّاد هذا الاتجاه الذين تناولوا القصة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف
واستوفوا الحديث عنها، لا بد أن نوضّح أمورًا عدّة.
من هذه الأمور أن القصة في القرآن
الكريم جاءت بأساليب متنوعة، وتكرر ورود بعضها في مواضع متعددة من القرآن الكريم.
فمن ذلك قصة موسى عليه السلام التي وردت في أكثر من موضع بأساليب مختلفة وطرائق
متباينة، وهذا التكرار لا يعني أنه جاء بالصّياغة نفسها أو بالطريقة ذاتها. وكذلك
قصة يوسف عليه السلام، فهي القصة الوحيدة التي ذُكرت مرة واحدة، وجاءت كاملة في
موضع واحد، وهو سورة يوسف. وأيضًا قصة إبراهيم عليه السلام، فقد وردت في مواضع
متعددة، فذُكرت بعض تفاصيلها في موضع، وتفاصيل أخرى في مواضع أخرى، بحيث يكون لكل
موضع دلالاته وقراءته المنفتحة على أفاق متعددة.
كما نجد أن القصة في القرآن الكريم قد
تكون حول شخص، أو حول نبي من الأنبياء السابقين عليهم السلام، أو تكون قصة عن قوم
من الأقوام السابقين كعاد وثمود، أو قصة عن شخصية مثل النمرود، أو الخضر، أو
السامري، أو قارون وغيرهم. وقد تكون القصة عن امرأة أو شخصية بارزة مثل مريم ابنة
عمران، أو السيدة سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وغير ذلك. وقد تأتي القصة في صورة
حوار بين شخصيتين، كما في قصة أصحاب الجنتين الواردة في سورة الكهف.
كذلك من الأمور التي ينبغي أن نتنبه
إليها أن الأسلوب القصصي في القرآن الكريم اعتمد على تقنية الإيجاز؛ إذ يتناول
القضايا في عمومياتها دون الخوض في التفاصيل الدقيقة، وذلك ليمنح القارئ مساحة
للتفكير والتأمل والتدبر في الأحداث، وتصوّرها بصورة تتوافق مع ما يجول في خاطره
أو ذهنه. وهذه نقطة مهمة يجب الانتباه إليها عند تناول القصص القرآني.
أمّا إذا نظرنا إلى القصص النبوي، أو
القصص في الحديث النبوي الشريف، فإننا نجد قصصًا كثيرة وردت بصيغ متعدّدة، منها ما
جاء في إطار: "كان فيمن كان قبلكم" على سبيل السرد والعرض للماضي، ومنها
ما يذكّر بأقوام سابقة أو شخصيات ماضية، مثل جريج العابد، أو الثلاثة الذين آووا
إلى الغار، وغيرهم. كما نجد قصصًا ترد في سياق التبشير أو في مواضع التحذير
والإنذار وغير ذلك.
أمّا ما جاء في معرض التجذير، فمثل ما
ورد في الحديث: «كان فيمن كان قبلكم...» حيث يُذكر الرجل الذي وُضع المنشار في
مفرق رأسه فلم يُرْضِه ذلك عن دينه، فهذا جاء في موضع التحذير والتنبيه على وجوب
الصبر على الابتلاء. وأما ما جاء في موضع التبشير فقوله ﷺ:
«والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا
الله والذئب على غنمه». وما ورد في مواضع التحذير أيضًا: قصة برصيصا وسوء عاقبته،
وكذلك قصة بلعام بن باعوراء.
وإذا أردنا أن نقوم باستقصاء أو تحرير
دقيق حول القصص في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، وعلاقة ذلك بالدلالات السيميائية
أو بالدلالات التي يمكن استنباطها، والكلام حول تقنيات القصّ — أو ما يُسمى حاليًا
بالسرد — مثل: الشخصيات، والأحداث، والزمان، والمكان، والحوار، واللغة، والتكثيف،
والاختزال، وغير ذلك من التقنيات، فإن هذا أمر مهم جدًا؛ إذ يتيح لنا الوقوف على
قراءاتٍ وإضاءاتٍ نصّية جديدة في تناول القصص القرآني والقصص النبوي الشريف.
ومن أفضل من تكلّم في هذا الموضوع –
ولعلنا نتناول ذلك لاحقًا – أستاذُنا العلّامة محمد رجب البيومي، إذ له إسهامات
كبيرة في القصص النبوي والقصص القرآني، وله كتابات رائعة في جانب القصة في هذا
الصدد. وقد كانت هناك دراسة تناولت جهوده في إحدى الجامعات – جامعة المنصورة – حول
الجوانب الفنية في القصة عند محمد رجب البيومي. وهذا موضوع يحتاج منّا إلى مزيد من
الاستقصاء والبحث.
وممن تناولوا أيضًا القصص في الحديث
النبوي الشريف، وكان لكتاباتهم أثر تأسيسي، الدكتور محمد حسن الزير، صاحب كتاب
القصص في الحديث النبوي الشريف.
ويعد كتاب الدكتور محمد حسن الزير –
حفظه الله – كتاب مهم؛ إذ حصل من خلاله على درجة علمية ( الدكتوراه) في مصر خلال
فترة الثمانينيات. وهو كتاب جامع لموضوع القصص في الحديث النبوي الشريف، مستقصٍ
لجوانبه وموضوعاته. ولعلنا نتحدث عنه أو نستفيد منه فيما هو قادم بإذن الله، لأن
الدكتور الزير قدّم فيه عطاءً متميزًا وفريدًا، يبيّن لنا مدى أهمية الدلالة القصصية
في الحديث النبوي الشريف.
وكذلك ممن أسهموا في هذا الصدد
الدكتور الراحل حلمي محمد القاعود – رحمه الله – إذ ألّف كتبًا وأبحاثًا متعددة في
القصص القرآني، تحت عناوين متنوعة، بعضها طبع في "مكتبة الصحابة" بطنطا،
وغيرها، وهي جهود تثري هذا المجال وتفتح آفاقًا أوسع لدراسته.