التأسيس المعرفي للخطاب(3)

0









الأمر الإلهي ﴿اِْقرَْأ﴾ (العلق: ١) أمر ودعوة ووظيفة إلهية وجهت إلى أشرف المخلوقات الذي تجلت فيه جميع الكمالات- ومن ثم إلى البشر أجمعين . وهذا -
الكون المعروض أمام أنظارنا لنتأمله ونفهم معناه ومحتواه، والشاهد على النظام الذي أنشأه الخالق، وعلى قدرته وعظمته وجماله... هذا الكون ليس إلا تجليًا من تجليات اللوح المحفوظ. لقد جعل الله كل شيء في هذا الكون من أحياء أو جماد -عدا الإنسان - "قلمًا" لكي يقوم كل موجود بوظيفة تسجيل ما ُأودع فيه من تجليات وحكم.
كل موجود -سواء أكان حيًا أم جمادًا- يُعد كتابًا. لذا فلم يأت الأمر بصيغة "ُانظر
وشاهد" بل بصيغة "اقرأ"، ذلك لأن الكتاب يُقرأ فحسب، وهذا الكون المتألق المملوء بالأحياء التي يُعد كل منها كتابًا.. هذا الكون بمثابة مكتبة إلهية غنية. لذا فبينما ُ كّلف كل موجود -عدا الإنسان- بوظيفة "الكتابة" ُ كلف الإنسان بوظيفة الكتابة ثم ُ كّلف بالأخص بوظيفة "القراءة".
والعلم عبارة عن معرفة تجليات النظام والعلاقات المختلفة الموجودة بين الأشياء في هذا الكون وتصنيفها وتبويبها. ولا يمكن إرجاع كل هذا النظام وكل هذه الدقة
والتوازن في هذا النظام إلى المصادفة العمياء. لذا فلا بد من صاحب وواضع لمثل هذا النظام.. واضع واضح وجوده بأجلى ما يكون الوضوح.
قبل وضع أي نظام يتم أولاً تصوره تمامًا مثلما يتصور المهندس المعماري تصميمه قبل أن يرسم هذا التصميم على الورق. فإذا وضعنا جانباً التركيب المادي للإنسان ولتفكيره وكيف يؤثر هذا التركيب على تصور الوجود عنده نقول إنه إن كان اللوح المحفوظ هو هذا النظام الشامل الموجود بمقياس الكون، فإن القرآن هو النظام المسجل والمكتوب وهو مرآة اللوح المحفوظ. لذا كان على الإنسان أن يقرأ ويحاول أن يفهم"([1]).


[1] - محمد فتح الله كولن: أسئلة العصر المحيرة، ترجمة ، محمد أروخان ، دار النيل للطباعة والنشر،02010م،ص7.

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)