التاريخ مجال
موبوء ومحاط بحراسة شرسة تطيح كل محاولة لطرق السؤال فيه وحوله، وذلك للانزياحات التي
يحدثها مع الأسطورة والمقدس والسلطة والمخيال، لأنه في كثير من الأحيان بتحول إليها،
لا يمكن الحفر فيه، فهو محروس من طرف اللغة والميتافيزيقا، بحيث تعتمل جميع تلك العناصر
في ما بينها، فتصبح هي قارة التاريخ، ويصبح هو حارسها أيضًا من معنى آخر؛ فالسؤال حول
التاريخ وفيه يكون دائما مربكة: ألا يجدر بنا جميعًا أن نتأمل جيدة هذا المفهوم: مفهوم
التاريخ، الذي هو في آن عبه ووعي کنز، وحركة، كشف وبحث، غیاب وحضور، تخيل واستخیار
؛ فكل هذه التوصيفات ترتبط في ما بينها لتعطي التاريخ مفهومه الذي يقابله ويوازيه
: إنه الحقيقة، وال التاريخية بصورة أخص، هذه الأخيرة هي التي تسمح اللوجود أن يوجد
في الزمان والعالم في خضم الكينونة وليس دونها.
لا يمكن فهم
عنصر من عناصر الوعي التاريخي إلا بدراسة الأساسات اللاشعورية بشكل خاص والأيديولوجية
بشكل عام للكتابة التاريخية العربية الإسلامية باعتبار أن هذه الأخيرة هي الرسم الواضح
الإشكالية الوعي التاريخي لدى أمة معينة وكل ما تحمله هذه الإشكالية من مفاهيم مثل
التقدم، التأخر، النهضة، الاستمرارية. ولما كانت الكتابة التاريخية مرتبطة بمجموعة
من التحديات والبنيات التي تعمل على إنتاج السلطه بجميع أشكالها الرمزيه والمتعينة،
وتنتج نسق التمثلات التي تحدد بدورها طريقة نظرة جماعة معينة لأشكال الحياة كافة: العالم
الطبيعة المجتمع، وحتى التاريخ وطريقة صناعته
أيضًا فالحقيقة
التاريخية ليست معطی ناجزًأ مكتملًا ونهائية فحسب، بقدر ما هي قيد صياغة دائمة، وليست
هي ابنة شي وحده، بقدر ما هي ثمرة الحاضر. ولهذا فهي تأخذ من الكتابة التاريخية والتاريخ،
حقلًا لم ينجز بعد، أو لم يكتمل بناؤه بعد، وذلك لأن الكتابة التاريخية يجب أن تؤول،
ولهي كذلك فعل فعل في التاريخ، أولًا أنها تؤخذ على أساس - أي الكتابة التاريخية العربية
- الإسلامية على أنها حدث تاريخي، من مستوى إذا كان التاريخ الماضي عفوي إلى حد ما.
فإن التأريخ للتاريخ محكوم دائمًا بالقصدية والهدفية، ومشدود كذلك بنزعات سياسية وأيديولوجية،
وإلى حد بعيد وهو المهم يمكن أن تنظمه أبنية لاشعورية (Structure Inconscientes) کالأسطورة
والمخيال والسلطة ونظرية المعرفة .. الخ. "([1]).
[1] - عبدالله عبداللاوي: حفريات الخطاب العربي التاريخي"المعرفة -السلطة - التمثلات" ، بيروت لبنان، 2012م، ص11-12.