نجيب محفوظ في وجهة نظر أخرى، أ.د ياسر جابر الجمَّال ، أستاذ الأدب والنقد ، 2025م.

0



ربما من الضروري والمهم عند الكتابة في قضايا هامة مثل هذ
ه القضية وضع مجموعة من القواعد والضوابط التي نسير وفقًا لها؛ حتى لا نقع في مغالطات أو تحيزات مسبقة تجاه أي شخص، أو قضية نريد مناقشتها،  ولذلك نذكر هنا كلامًا للكاتب الكبير السيد حافظ حول تلك النقطة، حيث يقول: "لقد كنت أؤمن دائمًا بأن الإنصاف والعدالة في النقد الفني ضروريان. عندما يكون العمل جيدًا، وعلينا أن نقول ذلك بصراحة، وألا نخشى أي مجاملات أو حسابات شخصية. كان هذا هو منهجي في التعامل مع الفن والثقافة، وسأظل دائمًا مدافعًا عن المواهب الحقيقية وأصحاب الفكر والإبداع"([1])

هذا هو المنهج الذي أسير عليه منذ أن خضت تجربة الكتابة والنقد، وهذا لا يعني طمس حقوق الآخرين أو الافتراء عليهم، وفي الوقت ذاته لا نكيل المديح دون بينة كما علمنا أساتذتنا الكبار .

والشخصية التي نتناولها في وجهة نظر أخرى، أو نقدم رؤية مغايرة حول منجزها المعرفي، أكبر من أن تُعرَّف أو يجهلها أحد، خصوصًا في الحقل الأدبي .

إنه الكاتب الكبير نجيب محفوظ رائد الرواية العربية -كما يطلق عليه الكثيرون-، وصاحب جائزة نوبل، وغيرها من الجوائز والألقاب، وليس لديَّ مشكلة مع أشياء من هذا القبيل خاصة إذا كانت عن استحقاق وجدارة .

قبل أن نتطرق إلى موضوعنا نشير إلى الآتي: الكاتب الكبير نجيب محفوظ عُرِف له ثلاث مراحل إبداعية .

المرحلة الأولى: الفرعونية، أي الكتابات التي تتناول تاريخ مصر الفرعوني. وتمثلها روايات  (عبس الأقدار – ردوبيس – كفاح طيبة).

المرحلة الثانية: الواقعية، وتمثلها روايات (السكرية – بين القصرين – زقاق المدق) الثلاثية.

المرحلة الثالثة: الفلسفية، وتمثلها رواية (أولاد حارتنا).

هذا هو تقسيم النقاد لأعمال نجيب محفوظ من حيث الجوانب الموضوعية، والقضايا التي طرحها في أعماله.

وحول تلك الأعمال قامت دراسات، وقُدِّمت رؤي نقدية متعددة، ما بين مقالات، وكتب، ودراسات، ورسائل في الماجستير والدكتوراه، وأبحاث ترقية، وبلغ الأمر أن أحد الأستاذة قدم نجيب محفوظ على أنه إسلامي، عندما طلب منه ذلك في أحد مؤلفاته.

كما قدمت أعمال نجيب محفوظ في أعمال سينمائية، وتلفزيونية، ومسرحية، كالثلاثية، والحرافيش، اللتين عرضتا في مسلسل، وخان الخليلي، وزقاق المدق قدمتا كأفلام سينمائية، وغيرها الكثير.

والذي نريد مناقشته في هذه المقالة إنما يتعلق بموقف آخر، أو موقف يكاد يكون غائبًا في أدب ومسيرة نجيب محفوظ، هذا الموقف سأتكلم عليه من خلال المحاور الآتية:

1.   الموقف من القضية الفلسطينية:

هذه هي القضية الأولى التي نرصدها في أدب نجيب محفوظ، ولا نجد لها أي صدى على امتداد مشروعه الروائي ، قد يكون هناك بعض العبارات أو الجمل تم أخذها من نجيب محفوظ في أحد الحوارات أو اللقاءات، أو نقلها عنه غيره، كما فعل "محمد سلماوي" عندما أذاع خطاب جائزة نوبل نيابة عن محفوظ، وذكر بعض عبارات محفوظ التي تؤكد حق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم. 

كما يوجد حوار أو اثنين لنجيب محفوظ تناول فيهما على اقتضاب مسألة الانتفاضة، وحق الفلسطينيين في المقاومة.([2]) ونشرت ذلك بعض الجرائد، كالدستور، والمصري اليوم، وبعض الكتاب الذين يريدون إثبات موقف إيجابي لنجيب محفوظ تجاه القضية الفلسطينية.

الحقيقة أن كاتب بحجم نجيب محفوظ -من حيث الشهرة وليس المكانة الإبداعية، فهي تختلف من شخص لآخر حسب آليات ومعطيات التقييم والتناول لأعماله- ألا يوجد له عمل خاص حول القضية الفلسطينية أو حقوق الفلسطينيين، فهذا أمر في غاية الخطورة، لكن الأمر لا يتوقف عند هذه النقطة فقط، وإنما يتجاوزها إلى أعمق من ذلك عند رصد أن "السفير الإسرائيلي" بدأ يحضر جلسات نجيب محفوظ، وأن محفوظ كان يجلس مع "نعيم تاكلة"، فصار الناس يقولون: "نجيب محفوظ في مأزق"، خاصةً وأن اليسار الإسرائيلي كان قد دعم نجيب محفوظ باعتباره تقدميًا وعالميًا. هكذا كان الوضع، وكانت البلد كلها في حالة صمت، فلا أحد يجرؤ على الاقتراب من نجيب محفوظ، لأنه كان رمزًا أدبيًا كبيرًا"([3])

وإن كان موقفًا كهذا يكفى لإعادة النظر في مشروع نجيب محفوظ، ولماذا لم يكتب عن القضية الفلسطينية؟ ولماذا كان حريصًا على الجلوس مع "السفير الإسرائيلي" ؟ وهل كان محفوظ من أنصار  التطبيع الثقافي ؟

وكلها أسئلة شائكة حول نجيب محفوظ، يمكننا مناقشتها، خاصة إذا علمنا موقفه منها .

نجيب محفوظ والتطبيع:

 بدايةً فإن نجيب محفوظ كان يجلس مع "السفير الإسرائيلي"، بمعنى لا تقتربوا من الرموز؟! لقد أبرم اتفاقية السلام، وذهب وحده، دون جيش ولا دعم سياسي. ([4])

وكان نجيب محفوظ يلتقي بـ"السفير الإسرائيلي" كل أسبوعين، ليس في جلسة رسمية، بل في "ندوة الحرافيش" مع أصدقائه، حيث يتم النقاش حول مختلف القضايا، وهذا يعكس طبيعة التطبيع الثقافي الذي يحدث بشكل غير مباشر. وكانت هناك شخصيات من الإسكندرية، والقاهرة، على علاقة بهذا المشهد الثقافي وشاهدة عليه، لكن القضية أكبر من مجرد أفراد يجلسون مع بعضهم البعض([5])

وختامًا"نجيب محفوظ كان يجلس كل أسبوع... في النهاية، الكل خان، وكل من عليها خان.([6])

 



([1]) - مذكرات السيد حافظ، تحقيق وتقديم ودراسة د. ياسر جابر الجمَّال ،  ج6/ح 253

([2]) - أحمد منصور :  نجيب محفوظ الداعم للقضية الفلسطينية وخطاب حفل تسلمه نوبل نموذجًا، اليوم السابع ، الجمعة، 20 أكتوبر 2023م.

https://www.youm7.com/story/2023/10/20/%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D8%AD%D9%81%D9%88%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%85-%D9%84%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%AD%D9%81%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%87-%D9%86%D9%88%D8%A8%D9%84-%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D9%8B%D8%A7/6345987

([3]) - مذكرات السيد حافظ، تحقيق وتقديم ودراسة أ.د ياسر جابر الجمال ج6/ حلقة 258 "المثقفون والتطبيع"

([4]) - مذكرات السيد حافظ، تحقيق وتقديم ودراسة أ.د ياسر جابر الجمال ج6/ حلقة 258" المثقفون والتطبيع "

([5]) - مذكرات السيد حافظ، تحقيق وتقديم ودراسة أ.د ياسر جابر الجمال،  ج6/ حلقة 258" المثقفون والتطبيع "

([6]) - مذكرات السيد حافظ، تحقيق وتقديم ودراسة أ.د ياسر جابر الجمال ج6/ حلقة 258" المثقفون والتطبيع "


إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)