السموم العلمانية في طرح القضايا الإسلامية .

0


 

 لا تزال العلمانية، منذ أن ظهرت وتسللت إلى بلادنا عن طريق طابور خامس أو عن طريق بعض من يحملون هذه الفكرة، تبثّ سمومها وأفكارها في مجتمعاتنا. فهي تحاول أن تنفذ إلى تصوّرات الأمة والنيل من قادتها، وأخلاقياتها وسلوكها، لتعبث بكل ذلك. والعلمانية في حقيقتها فكرة خبيثة، لأنها تقوم على إحلال الفكر العلماني محل الإسلامي واستبداله بأفكار مرذولة تتنافى مع قيم هذه الأمة.

ومن الشبهات التي تثيرها العلمانية – وهي كثيرة في الحقيقة – شبهات واهية ومفندة تفنيدًا واضحًا، لكنها تُعرض مجتزأة أو يطرحها من يتعمد التلبيس على الناس، فالخطاب العلماني مزخرف في لفظه خبيث في معناه ، خصوصًا في غياب من هو أهل للرد عليها أو لمقارعة الحجة بالحجة. ومن هذه الشبهات: ما يُثار حول قصة موسى عليه السلام عندما فقأ عين مَلَك الموت حين جاءه لأخذ روحه ، ومنها قضية "رضاع الكبير"، ومنها القول بأن الحمل قد يستمر أربع سنوات، إضافة إلى مسائل أخرى تتعلق بالدين والسلوك كمسألة تعدد الزوجات وغيرها. وهذه القضايا تعمد العلمانية إلى استدعائها بين الحين والآخر بغرض تشويه صورة الإسلام وإثارة الشكوك حوله.

فالعلمانية – كما هو معلوم – لا تعني في أصلها "العِلم" بأي حال من الأحوال، كما قد يتوهم البعض، وإنما معناها مختلف كما جاء في قواميس الغرب، أو كما نقلت بعض المؤسسات الغربية. فقد نشأت العلمانية في ظروف خاصة بأوروبا نتيجة تسلّط الكنيسة على الدين وعلى الحكم والنظام السياسي، فكانت هناك إشكالية لديهم في هذا السياق. ولسنا هنا بصدد التنظير لمفهوم العلمانية أو الخوض في تفاصيله، وإنما نهدف في هذا الموضع إلى بيان بعض الشبهات التي تثيرها العلمانية، وكيف تحاول أن توظّف أدواتها  في خدمة تلك الشبهات، بغرض تشويه صورة الإسلام والمسلمين.

ونحن حين نتحدث عن العلمانية وما تثيره حول مسألة "رضاع الكبير"، فإننا نلاحظ أنها لا تقصد البحث العلمي أو الفقهي في هذه القضية، بل تستغلها في سياق السخرية من الدين والاستهزاء به. فهم يطرحونها على سبيل التهكم، فيقولون مثلاً: هل سيكون الرضاع مباشرًا أم بوساطة؟ ويعتبرون ذلك مدعاة للضحك والاستهزاء. وهكذا يحاولون تصوير الأمر على أنه نوع من الاستهتار بالدين، بل يعدونه تشريفًا زائفًا أو دليلاً على تخلف المسلمين، في حين أن المسألة لها سياقها الفقهي الخاص الذي لا يجوز اجتزاؤه أو توظيفه بهذه الطريقة المغرضة.

وإذا أردنا أن نوضح هذه المسألة، فهي في الأصل تتعلق بحديث صحيح ثابت في قصة سالم مولى أبي حذيفة، الذي رضع من سهلة بنت سهيل. وكانت هذه القضية مرتبطة بمسألة التبنّي؛ فلما حُرِّم التبنّي، ذهبت سهلة بنت سهيل إلى النبي وقالت: إن سالماً قد بلغ وهو يدخل عليَّ في البيت، وأنا أعدّه كأبني، فكيف أصنع؟ فقال لها النبي : "أرضعيه". فقالت: إنه رجل كبير! فتبسّم النبي وأعاد عليها الأمر. فوقع ذلك، وسُمّيت هذه المسألة فيما بعد بـ "مسألة رضاع الكبير".

تصوّر الفقهاء هذه المسألة في جانبين رئيسيين:

1. مسألة رضاع الكبير:

أتفق الفقهاء على أن رضاع الصغير – أي ما كان في الحولين – يُثبت به التحريم بلا خلاف. كما اتفقوا على ثبوت حادثة رضاع الكبير في قصة سالم مولى أبي حذيفة مع سهلة بنت سهيل، لكنهم اختلفوا بعد ذلك: هل يترتب على رضاع الكبير – أي بعد السنتين – أثر التحريم كما يترتب على رضاع الصغير، أم لا؟

2. مسألة حكم رضاع الكبير:

اختلف الفقهاء في فهم حديث سالم: فبعضهم رأى أن الحادثة خاصة به ولا يُقاس عليها غيره، لكونها واقعة عين مرتبطة بظروف التبنّي، بينما ذهب آخرون إلى جواز القياس عليها، معتبرين أن الحكم لا يقتصر على سالم وحده.

 والحقيقة أن حديث سالم هو واقعة تعيين خاصة لا يجوز القياس عليها، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى هذا الرأي، وهو الذي نرجّحه. أما الرأي الآخر، فيرى أن الحديث يمكن القياس عليه، وأن الحكم لا يقتصر على سالم وحده. غير أن الأخذ بهذا الرأي قد يفتح أبوابًا يُستغل منها من أصحاب القلوب المريضة، فيوظّفونها فيما لا يجوز، وهو ما يجعل التمسك برأي الجمهور أكثر صوابًا وسدًّا للذرائع.

المسألة الثانية هي كيفية الإرضاع، وقد اختلف الفقهاء فيها على قولين:

فمنهم من قال: يكون الإرضاع عن طريق الواسطة، أي بإخراج اللبن وشربه دون مباشرة. وقالوا: هذا هو الذي وقع في قصة سالم.

ومنهم من ذهب إلى أنه يكون عن طريق التقام الثدي مباشرة.

غير أن هذا الرأي – الثاني-  أثار إشكالًا كبيرًا؛ إذ كيف يلتقم الثدي وهو رجل أجنبي عن المرأة؟ وهذا ما دفع جمهور العلماء إلى القول بأن المقصود هو الإرضاع بوساطة، لا المباشرة.

وختامًا : إن المغرضين يستغلون هذه المسألة، فيُخفون الحقائق، ويُبرزون منها ما يوافق أهواءهم، ويستعملونها في الطعن في الدين، ويلبسون بها على العوام والبسطاء. ومن خلال هذه القضايا المفتعلة يحاولون النفاذ إلى عقول الناس وزعزعة ثقتهم بدينهم.

 

 

 

 

إرسال تعليق

0تعليقات
إرسال تعليق (0)